قال الشاب الأمريكي نيميك (28 عاما)، وهو من سكان مدينة رينو بولاية نيفادا ويعمل مشرفا بأحد المستودعات، "تلقيت رسالة نصية من جدتي لأول مرة منذ خمس سنوات تقول -عليك أن تحترمني كوني جدتك- سأكون ممتنة إذا لم تذهب. وتلقيت اتصالات من والدتي كانت تبكي خلاله".
ورغم تفهمه مخاوف العائلة فقد عقد نيميك العزم على الذهاب.
وشهد العراق اضطرابات متواصلة تقريبا لعقود، من حرب استمرت ثماني سنوات مع إيران في الثمانينيات، إلى حرب الخليج الأولى في التسعينيات والعقوبات المشددة، والغزو الأمريكي عام 2003، وسنوات من الحرب الطائفية القاتلة ثم الصراع مع إرهابي تنظيم داعش.
ومع ذلك، تحسن الوضع تدريجيا منذ هزيمة التنظيم عندما خسر الأراضي التي كان يسيطر عليها في عام 2017، مع سقوط الجدران العازلة وظهور الرافعات في
بغداد ومدن أخرى للاتجاه إلى البناء وإعادة الشعور بالحياة الطبيعية مجددا.
وفي وقت سابق من هذا العام استضاف العراق بطولة كأس الخليج لكرة القدم لأول مرة منذ أكثر من 40 عاما حيث توافد آلاف الزوار العرب، وهو ما ساعد في إعادة البلاد إلى الخريطة.
والآن، يتجه عدد صغير لكنه متزايد من السائحين إلى العراق لرؤية مناطق الجذب التي تتباين من الصحاري والأهوار الشاسعة إلى أطلال المدن والإمبراطوريات الأقدم في العالم.
ويتوافد كثيرون من دول الخليج المجاورة، لكن في تحد للتحذيرات من السفر، ويتدفق عدد متزايد من هواة المغامرة من أوروبا والولايات المتحدة.
وزار نيميك، بصحبة سائح روسي وآخر بريطاني، الأطلال الشبيهة بالمتاهة لمدينة بابل القديمة، وكذلك مدينة النجف الشيعية ذات الأزقة الضيقة والبيوت المبنية من طوب اللبن (الطيني)، ومدينة الموصل القديمة في الشمال.
وقال نيميك "كنت مترددا بعض الشيء في القدوم لأنني أمريكي، وكان لسان حالي يقول ‘يا إلهي، ارتكبت حكومة بلادي أفعالا سيئة حقا هنا. هل سيكرهني الجميع لهذا السبب‘؟".
وأضاف "الأمر ليس كذلك على الإطلاق... يمكن أن تكون الحكومات سيئة، لكن الناس طيبون أينما يذهب المرء".
وتتزامن زيادة إقبال السائحين مع المساعي الحثيثة من الحكومة العراقية لإظهار أن البلاد آمنة ومفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية والزوار، إذ تتطلع إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.
وقال أحمد فكاك وزير الثقافة والسياحة والآثار إن العمل جار لبناء فنادق جديدة لمواكبة الطلب المتزايد وتجديد المواقع السياحية والمباني التراثية.
وأوضح أن صورة البلاد لدى الغرب كساحة صراع ستتغير تدريجيا مع قدوم مزيد من الزائرين.
وأضاف لرويترز "هؤلاء (السائحين) هم رسل يخبرون تلك الدول بأن العراق عاد بلدا آمنا وليس خطا أحمر كما يصوره البعض. ربما تحتاج المسألة إلى فترة زمنية ولكن قليلة جدا".
والحكومات الأجنبية غير مقتنعة حتى الآن.
*"لا تسافروا"
لا تزال الولايات المتحدة والدول الأوروبية تحذر من أي سفر إلى العراق لدواع أمنية. وتقول وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها الإلكتروني "لا تسافروا إلى العراق بسبب الإرهاب والخطف والصراع المسلح والاضطرابات المدنية".
وتنصح الوزارة الأمريكيين الذين يختارون السفر للعراق بكتابة وصاياهم وعمل ترتيبات جنازاتهم مع عائلاتهم قبل بدء الرحلة.
وأصبح المواطنون الغربيون هدفا أساسيا للخطف والقتل في أعقاب الغزو الأمريكي، من جانب جماعات سُنية متطرفة، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وفصائل شيعية متشددة قريبة من إيران. وتنظر كل هذه الجماعات للولايات المتحدة باعتبارها دولة محتلة.
وقُتل مواطن أمريكي في وسط
بغداد في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي في هجوم نادر أثار مخاوف الأجانب في المدينة.
وقال خمسة من الدبلوماسيين الغربيين إن تحذيرات السفر الأمريكية أو الأوروبية لن تتغير في أي وقت قريب بسبب استمرار احتمال حدوث أعمال عنف لا يمكن التنبؤ بها، مثل اشتباكات مسلحة كتلك التي شهدتها
بغداد العام الماضي وأسفرت عن مقتل عشرات العراقيين.
غير أن هذا لم يمنع الناس من السفر وإن كان عدد الزائرين غير واضح.
*جانب منسي
لم يكشف وزير السياحة عن عدد السائحين الوافدين.
وقال الفريق عبد الكريم السوداني المستشار الأمني لرئيس الوزراء العراقي لرويترز إن ما يزيد قليلا عن 2.5 مليون أجنبي زاروا العراق في ستة أشهر بين 15 نوفمبر تشرين الثاني 2022 و15 مايو أيار 2023، بينهم 312 ألف زائر عربي.
ولا يزال قطاع السياحة على أي حال متخلفا بشكل كبير.
فلا توجد علامات تُذكر تصف أهمية الآثار المنتشرة في البلاد كما لا يوجد في العراق مرشدون سياحيون معتمدون.
وليس لمطار
بغداد الدولي موقع إلكتروني خاص، وتوجه خانة البحث المتصفحين إلى صفحة تحذرهم بعبارة "لا نوصي بزيارة هذا البلد (إنه أحد أخطر الأماكن على وجه الأرض)".
ويحاول العديد من العراقيين تعويض أوجه القصور هذه وإظهار جانب آخر من البلاد.
من بين هؤلاء المدون في مجال السفر علي هلال.
وعلق هلال في العراق خلال زيارته وقت جائحة كوفيد-19 قادما من كندا حيث يعيش فقرر أن يجوب أرجاء البلاد وأن يصور القصور القديمة الرائعة والجبال الخضراء في مقاطع فيديو نشرها على الإنترنت وتمت مشاركتها على نطاق واسع.
وقال هلال "أكيد أكو (يوجد) عندنا مشاكل سياسية، اجتماعية، بيئية يعني لا تعد ولا تحصى. بس أكو جانب يمكن إحنا نسيناه. فهذا اللي حاولت بس إني أشوفه وأخلي الناس تشوفه ويايا (معي).