بعد أشهر من صراع التصريح والتلميح والإنكار، يبدو أن هلال الأزمة المالية في
العراق بات يُرى بالعين المجردة.. اما الجدال حول وجود الازمة ونفيها طوال الفترات الماضية، كان سببه الاختلاف بمتبنيات
الفقه الاقتصادي، وما اذا كان يمكن أن يستدل على وجودها بالحسابات او بالعين المسلحة او المجردة.. شأنها شأن هلال بداية الشهر الهجري.. اما حقيقة الازمة.. فوجودها ثابت وولادتها أكيدة.
حفل رسائل شهرية كلفته 8 تريليون دينار.. ضغط الإنفاق لا يأبه بمرونة السيولة
تختلف الاراء الاقتصادية حول تسمية ما يحدث بين كونها أزمة مالية أم أزمة سيولة.. والفرق بينهما مهما طال شرحه.. ستكون النتيجة واحدة.. وهي أن ضغط الإنفاق أقوى من أن تتحمله مرونة الإيرادات المالية، ففي بداية كل شهر ينطلق حفل الرسائل التبشيرية الى هواتف متقاضي الرواتب ليبشرهم بامتلاء بطاقاتهم الالكترونية.. رسائل كلفتها الشهرية 8 تريليون دينار لا ينقص منها شيئًا ولا يعنيها انخفاض النفط أو احتراق العالم.. فهي كلفة واجبة الدفع بلا نقاش.
وزارة المالية بسباق مع الزمن والأرقام.. الان حصحص الحق!
خلال الفترات الماضية، تأخر اطلاق الرواتب في بعض الأشهر.. وتلكأ تمويل المقاولين وبعض المشاريع.. لكن الأمر كان يُعالَجُ سريعًا ما يمنع الوقوع على أصل المشكلة.. وخلف كل ذلك.. كانت وزارة المالية تعيش سباقًا مع الزمن والأرقام لسد الثغرات..
الادارة المالية.. تمزيق قطعة لترميم أخرى في مركب مليء بالثقوب
يمكن توصيف المشهد بمركب مليء بالثقوب.. كان يتسرب الماء اليه ببطء.. بينما تتنقل وزارة المالية بصفتها قائد المركب لترفع قطعة خشبية من جزء لم يصله البلل لتغلق به ثقبا يتسرب منه الماء.. وبينما تنتقل مجددًا لغلق ثقب آخر.. تكتشف ان المكان الذي رفعت منه القطعة الخشبية اول مرة.. قد وصله الماء وبدأ يتسرب الى داخل المركب.. هكذا كان ولا يزال سباق ادارة الوضع المالي بالضبط.. عملية ترقيع جسدٍ ممزق بلا قطع غيار بل بمواد اولية تُقطَع من ذات الجسد الممزق لترقيع أجزاء أخرى منه..
3 تريليون دينار.. الأمانات الضريبية تعيد الذكرى السيئة
لم يكن الجميع يعرف شيء عن هذه العملية بشكل واضح.. حتى تسربت وثيقة لقرار
مجلس الوزراء بالموافقة على استخدام وزارة المالية اموال الامانات الضريبية البالغة اكثر من 3 تريليون دينار لتأمين الرواتب.. وللعراقيين ذكرى سيئة مع جملة "الامانات الضريبية"، وعلاقتها بسرقة
القرن، خصوصًا وان المبلغ الذي نص عليه القرار يساوي تقريباً مبلغ سرقة القرن..
تدوير الأمانات.. الخزينة تأخذ حصتها من الشركات مبكرًا
ورغم الجدال الذي رافق القرار، لكن القرار لا يحمل خطرًا بحد ذاته، فكل ما في الأمر ان هذه الاموال التابعة لشركات استثمارية، ستكون في النهاية جميعها او جزء منها ملكا للدولة، فهي مبلغ تحت اليد كضرائب يتم تسويتها عندما يتم التحاسب الضريبي مع الشركات.
أزمة السيولة.. رأس الشهر يأتي سريعًا إلى وزارة المالية
لكن ما يثير الجدل بحد ذاته، هو الدوافع وراء القرار، والذي يكشف بشكل قاطع وجود أزمة سيولة، فالالتزامات وموعد صرف الرواتب يأتي اسرع من قدرة وزارة المالية على جمع الاموال والايرادات المطلوبة سواء من خلال الايرادات النفطية او غير النفطية.. لذا فإن هذه الخطوة عبارة عن "استعجال
خزينة الدولة على اخذ حصتها من الشركات قبل الموعد".
تدوير الامانات.. ضمان الرواتب وحرمان القرن من سرقة أخرى
وبينما ستوفر الامانات الضريبية البالغة 3 تريليون دينار سيولة مالية قد تكفي لسد حوالي نصف رواتب العراق لمدة شهر خصوصًا وأن الرواتب يعد آخر خط أحمر وأقدس ما تبقى في العلاقة بين الدولة والمواطن.. فإنها قد تتضمن نقطة ايجابية اضافية، تتمثل بتحريك دورة المال ومنع تراكم التريليونات في حساب الامانات الضريبية لمنع تكرار سرق القرن مجددًا.
هذا التقرير من ضمن برنامج "حصاد
السومرية" من تقديم ورود الموزاني وإعداد غرفة أخبار "السومرية"، يُعرض كلّ جمعة السّاعة 8:30 مساءً.