السومرية نيوز/
بغداد
لم يكن حسين موظفا (26 عاما) حكوميا او صاحب محل تجاري عندما قرر مع اصدقائه تأسيس موكب حسيني لخدم الزائرين في الاربعين بعد ان تبلورت فكرتهم عقب نقاش طويل.
ويحصل حسين على
اموال بسيطة مقابل عمله في البناء كما غالبية اصدقائه.
اتفق الشاب العشريني مع اصدقائه على تأسيس
صندوق مالي لجمع التبرعات لصالح الموكب يقوم على اساس الدفع
الشهري للمشتركين, كما اتفقوا ايضا على تسمية الموكب بـ (موكب شباب علي الاكبر).
يقول حسين بحسب موقع "الأئمة الإثني عشر" ، "كانت الفكرة في بدايتها تقوم على اساس ان نؤسس موكب يضم شباب منطقتنا الراغبين بتقديم الخدمة للزائرين بشكل طوعي ومستقل وبجهود شخصية".
ويضيف، كل الشباب المشتركين والمؤسسين للموكب هم الكسبة ومحدودي الدخل وليس فينا اي موظف ولا نحصل على دعم باي شكل من تجار او جهات اجتماعية او سياسية او دينية".
ويمضي بالقول ، "جميع ما يحتاج اليه الموكب وما يقدمه من خدمات للزائرين يتم توفيرها من مبالغ الصندوق، وهذه المبالغ تجمع في الصندوق طوال العام ليتم الاستفادة منها في الزيارة".
وعلى مدار اسبوع كامل يتخذ حسين ورفاقه من الطريق بين العاصمة العراقية
بغداد ومدينة كربلاء مقرا لموكبهم لتقديم الطعام والشراب وتوفير السكن للزائرين بشكل مجاني دون كلل او ملل.
موكب بصري في مدينة الحلة
وفي مكان اخر من العراق ، وعلى الطريق الرابط بين كربلاء ومحافظة بابل يتوسط موكب كبير جانب طريق الزائرين المعروف بطريق "يا حسين" تتقدمه يافظة كتب عليها "موكب انصار الحجة اهالي البصرة".
وعلى طريق الزائرين امام الموكب يفترش شباب لم يتجاوزوا العشرينات من العمر الاسفلت واضعين الاواني الكبيرة المعروفة محليا بـ (الصواني) مملؤة بأشهى المأكولات وهم ينادون بأصوات عالية "تفضل يا زاير" في مشهد قل نظيره.
يتخذ هذا الموكب من مدينة بابل مقرا لتقديم خدماته للزائرين بشكل سنوي، رغم بعد المسافة بين بابل ومدينة البصرة التي تبعد اكثر من 400 ميل الى جنوب العراق.
يشتهر الموكب البصري بتقديم الاكلات البصرية الشهيرة كـ "المسموطة والمطبك" وهي اكلات شعبية يدخل السمك فيها كوجبة رئيسية.
يقول جاسم البيضاني (48 عاما ) وهو كفيل الموكب، ان الموكب يتكون من مجموعة من الاصدقاء من منطقة الجمعيات في البصرة بدأوا تأسيسه منذ 6 اعوام.
وعن الدعم المالي للموكب، يقول البيضاني بلهجته البصرية "حبوبي احنه ما نستلم دعم غير من اعضاء الموكب".
ويوضح ، "نعتمد في الموكب على
اموال الاشتراك
الشهري للمؤسسين ، حيث نقوم بجمع مبلغ شهري قدره 25 الف دينار عراقي كل شهر طوال السنة تجمع هذه الاموال في
صندوق وتستخرج في زيارة الاربعين".
وعن مقدار المواكب التي تستخرج من
صندوق الموكب، يشير البيضاني الى انها "تتراوح بين 10 – 15 مليون دينار عراقي سنويا".
ويتابع حديثه بالقول، احيانا تحصل حالات فردية كأن يأتي متبرع معروف ومزكى من احد المؤسسين يقدم مبلغ معين للموكب نتولى نحن صرفه في الحاجات الضرورية للموكب.
وعن كيفية صرف هذه الاموال، يقول البيضاني، "نحدد ما نحتاج اليه في اعداد الطعام للموكب قبل الخروج من البصرة قبل زيارة الاربعين، ونعد قائمة لذلك بالاحتياجات دون نقص، ثم نتوجه السوق لشرائها بأموال الصندوق".
ويستبق الموكب البصري زيارة الاربعين بتحضير المواد الغذائية في 4 شاحنات حمل كبيرة تحمل مختلف انواع الاطعمة والاغذية التي يتم توزيعها على الزائرين، والتي يتم شراؤها من
اموال صندوق الموكب، بحسب البيضاني.
"مصاهرة" بسبب موكب حسيني
ويذكر البيضاني حادثة تسجيل الموكب ، اذ يقول "عندما اردنا تسجيل الموكب في مدينة بابل ونحن من اهل البصرة طلب منا احضار شخصين من سكنة المحافظة ليكونا كفيلين للموكب".
ويضيف ايضا ، صادفنا ايضا ان احد المواكب من المدينة ارادوا التسجيل ايضا وهو ما دفعنا الى التحدث اليهم والطلب منهم بتكفلنا، وسرعان ما وافقوا بحفاوة واتنان عندما علموا اننا من البصرة".
ويتابع بالقول، "بعد اكمال الاجراءات اصر هؤلاء على استضافتنا عندهم بإلحاح شديد، وافقنا وذهبنا معهم، ومنذ تلك اللحظة بدأت علاقة الاخوة بيننا لتطور فيما بعد الى علاقة مصاهرة ونسب لاحقا".
موكب يقلص خدماته في زيارة الاربعين !!
في السياق ذاته، يتحدث سجاد الفتلاوي وهو احد خدمة "موكب الصديقة الطاهرة" وهو من اكبر المواكب الحسينية في قضاء الهندية (طويريج) عن الموكب قلص نسبيا من خدماته للزائرين خلال السنوات الثلاث الماضية.
واوضح الفتلاوي ، ان سبب ذلك يعود لتوفير الاموال وتحويلها الى الدعم اللوجستي للمقاتلين من متطوعي فتوى الدفاع الكفائي والقوات الامنية خلال سنوات الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي.
ولفت الى ان الموكب لم يقتصر دعمه للمقاتلين على ايام معدودة بل استمر في دعمهم على مدار الاعوام الماضية بتوفير الطعام والاغطية والملابس والادوية لهم وتزويدهم ببعض الاموال ومراعاة عوائل بعض المقاتلين من العوائل المتعففة.
وبين الفتلاوي، ان موكب الصديقة تبنى ايضا بعض المبادرات للمساهمة في تشييد دور سكنية لبعض المقاتلين من العوائل المتعففة طيلة السنوات الثلاث الماضية.
ويمضي بالقول "ان الموكب وعلى مدار السنة يحرص على خدمة زوار الامام
الحسين عليه السلام في ايام الخميس وليالي الجمعة حيث يفتح ابوابه على طريق كربلاء ويستضيف الزائرين ويقدم لهم وجبات الافطار كل اسبوع".
ماذا يفعل اصحاب المواكب طيلة ايام السنة؟
وعن بقية ايام السنة ، يقول الفتلاوي ، "ان جميع خدمة الموكب هم من الكسبة واصحاب المزارع والموظفين وهم في معظم ايام السنة منشغلين بإعمالهم، ولكن في مواسم الزيارات المليونية يتركون كل شيء وراءهم ويتوجهون لخدمة الزائرين".
في كربلاء حيث تقصد الملايين سنويا لزيارة الامام
الحسين واخيه ابي الفضل العباس عليهما السلام، تضج الشوارع بالمواكب الحسينية التي تقدم الطعام والشراب للزائرين يتفان عجيب.
ازقة المدينة القديمة وشوارعها تضيق ذرعا بتلك المواكب التي بلغت هذا العام 10600 موكب حسيني من مختلف محافظات العراق ومن دول عربية واسلامية دخلوا المدينة لخدمة الزائرين بحسب قسم الشعائر والمواكب الحسينية في العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية.
ومن اشهر المواكب في المدينة القديمة، موكب انصار الزهراء عليها السلام الذي يتخذ من منطقة ما بين الحرمين الشريفين مقرا لتقديم خدماته.
ويضم الموكب عشرات الاعضاء المشاركين بالخدمة او التمويل بينهم ضباط متقاعدون وكسبة واصحاب محال تجارية وموظفون ومزارعون من مختلف مناطق كربلاء المقدسة، بحسب كفيل الموكب لؤي الكربلائي.
يتحدث الكربلائي عن استمرار العمل في خدمة الزائرين طوال العام، حيث يقول "في كل ليلة جمعة نبدأ بتجهيز الطعام للزائرين من الظهيرة حتى منتصف الليل".
ويضيف، "في رمضان ايضا يبدأ تحضير وجبات الفطور للزائرين في كل ليلة جمعة الشهر الفضيل".
الاربعين على الابواب.. المرجعية توجه
في الجمعة الماضية (19 / 10 / 2018)، ومع الايام الاولى لانطلاق مسيرة الاربعين ، دعا وكيل المرجعية الدينية العليا احمد الصافي خلال خطبة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اصحاب المواكب الى الالتزام بالنظافة والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.
كما دعا الصافي ايضا الى ضرورة ان يستفيد الزائرون من وجود المبلغين من اساتذة وطلبة الحوزة العلمية وترك الحياء "المذموم".
ورغم كثرة المواكب الحسينية داخل كربلاء وعلى الطرق المؤدية اليها فان تنافسا شديدا يتصاعد بين هذه المواكب طيلة ايام زيارة الاربعين دون خاسر فيه، حيث يتنافس الجميع على خدمة الزائرين لكن بروح الاخوة والتعاون.