الظاهرة نالت مؤخراً اهتمام بعض العلماء، ويُعرّف أندرو بيترسون، المتخصص في مجال أبحاث الوعي والأخلاقيات الحيوية بجامعة جورج ميسون هذه الظاهرة بأنها "استعادة الوظائف الذهنية مثل القدرة على
الحديث والتواصل مع الآخرين بشكل غير متوقع".
كما يقول إن أهم ما يلاحظه المحيطون بالمريض في هذه المرحلة هو ما يطلَق عليه "عودة الشخص إلى سابق عهده"، ويضيف "المسألة لا تتعلق بإدراك البيئة المحيطة فحسب، بل إن المريض وهو على حافة الموت يدرك طبيعة علاقته الحقيقية بالآخرين".
يعطي بيترسون مثالاً بأن المرضى في هذه الأثناء يستخدمون أسماء التدليل، بل ويطلق بعضهم النكات. ويرى أن صحوة ما قبل الموت تثبت أن الشبكات العصبية التي تساعد على استعادة الوظائف الذهنية تظل تعمل حتى اللحظات الأخيرة، رغم الاعتقاد السائد بأنها تتوقف قبل الموت.
لكنه استطرد أن الدراسات المتعلقة بظاهرة صحوة الموت ما زالت في مراحلها الأولية، موضحاً أن ما يحدث داخل المخ أثناء الوفاة أو التغيرات التي تطرأ على مخ الشخص في تلك اللحظات وتؤدي إلى حدوث هذه الصحوة، ما زالت غير واضحة.
يقول الباحث كريستوفر كير مدير مركز رعاية المسنين والرعاية التلطيفية في بافالو، بولاية نيويورك الأمريكية، إن حالات الصفاء الذهني التي تنتاب المئات من المصابين بأمراض عضال في المراحل الأخيرة من حياتهم، تحدث عادةً خلال الأيام القليلة الأخيرة قبل الوفاة.
بحسب دراسة أجراها فريق بحثي من
جامعة ميشيغان الأمريكية، ونشرتها الدورية العلمية "بروسيدنجز أوف ناشيونال أكاديمي أوف ساينس" (PNAS)، الشهر الماضي، لاحظ العلماء فورة في النشاط العقلي المنتظم لاثنين من بين أربعة مرضى في حالة غيبوبة، بعد فصلهم عن أجهزة التنفس الصناعي.
ترتبط هذه الدراسة ببحث سابق يعود تاريخه إلى عام 2013، حيث قام فريق من الباحثين بدراسة النشاط العقلي لمجموعة من فئران التجارب بعد حقنها بمواد سامة تؤدي إلى توقف القلب، ووجد الباحثون زيادة في موجات جاما داخل المخ، في الدقائق التي تسبق نفوق الفأر مباشرة. وعادة ما تقترن هذه الموجات في الذهن بحالات التيقظ والانتباه واستدعاء الذكريات.
فيما تقول جيمو بورجين، طبيبة الأعصاب بجامعة ميشيغان، المتخصصة في مجال علم وظائف الأعضاء على مستوى الجزيئات، وكانت أحد المشاركين في هذه الأبحاث، في تصريحات لموقع "ساينتيفيك أمريكان"، إن فورة موجات جاما تتركز بصفة خاصة في منطقة القشرة الخلفية من المخ، وتحديداً في الجزء الخلفي من الجمجمة.
كما يعتقد الباحثون أن هذه المنطقة ترتبط بالتجارب الإدراكية للإنسان، ولها صلة بعمليات الإدراك البصري والسمعي والحركي.
تضيف بورجين أنه خلال التجارب التي أُجريت على البشر والحيوان، كانت تطرأ حالة من النشاط على الذهن بمجرد حدوث نقص مفاجئ في الأوكسجين، وتوضح أن المخ يبدأ في تفعيل حالة تشبه آلية وقف النزف، في محاولة لاستعادة الأوكسجين، سواء عن طريق تسريع التنفس أو زيادة النبض.
من جهته، قال سام بارنيا، طبيب الحالات الحرجة بمركز لانجون الطبي، التابع لجامعة نيويورك الأمريكية، إن رد فعل المخ حيال نقص الأوكسجين قد تكون له صلة جزئيّة بحالة الصفاء الذهني أو الصحوة التي تسبق الوفاة. ويعتقد أن المخ في حالة الوفاة يتوقف عن تشغيل آليات الكبح.
كما يوضح أن المخ أثناء الوفاة لا يجد الأوكسجين والمغذيات التي يحتاج إليها، وبالتالي يتوقف عن العمل، وهذا التوقف يؤدي إلى تنشيط أجزاء من المخ لا تعمل في المعتاد.
يقول بارنيا إنه في عام 1959 توصل العلماء إلى طريقة لإنعاش القلب بعد توقف النبض، وهو ما يطلَق عليه علميّاً مصطلح "الإنعاش القلبي الرئوي".
كما استطرد أنه قبل اكتشاف هذه التقنية كان أي توقف للنبض هو مرادف للوفاة، ويردف "أما الآن فقد أصبح بمقدور الأطباء إعادة إنعاش المرضى بعد توقف القلب مُدداً تصل إلى عشرين دقيقة".
فيما يؤكد بارنيا في تصريحات لموقع "ساينتفيك أمريكان" الإلكتروني المتخصص في الأبحاث العلمية، أن كثيراً من خلايا المخ تظل على قيد الحياة بعد ساعات، بل وأيام من الوفاة، ما يدحض المفاهيم السابقة بشأن الحدود الفاصلة بين الحياة والموت.