وقال حمادة، "كفل المشرع الدستوري حق المشاركة في الحياة السياسية لكافة المواطنين بوسائل متعددة، ومن ذلك حق المشاركة في الانتخابات العامة، اذ ورد النص صراحة في المادة (٢٠) من الدستور
العراقي لسنة ٢٠٠٥ على أن (للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في
الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)، باعتبار ان الانتخابات العامة هي الوسيلة المثلى التي تضمن مشاركة
الشعب في
ادارة شؤون السلطة والحكم في النظم الديمقراطية وتمثل تعبيرا حقيقيا عن إرادته تكريسا لمبدأ (الشعب مصدر السلطات)، الامر الذي كان سببا دافعا للمشرع في تنظيم العملية الانتخابية من خلال سن قانون انتخابي يتضمن عادة تحديد الاطر العامة للانتخابات والاسس القائمة عليها والضمانات القانونية لممارستها بحرية تامة دون ضغط او اكراه مع تضمين ذلك التشريع الحماية الجنائية للعملية الانتخابية من خلال تحديد الافعال التي تشوه صورتها وبيان العقوبة الواجب فرضها بحق المخالفين لأحكامها، سواء وقعت من قبل المرشح ذاته ام من قبل الناخب ام غيرهما".
وأضاف، "ويفترض ان تتم الانتخابات العامة في كل الدول بصورة حرة ونزيهة بعيدا عن اية شبهات وطبقا لأحكام القانون، الا ان الواقع العملي قد اثبت خلاف ذلك من خلال حصول العديد من الخروقات عند ممارسة الأفراد لحقهم الانتخابي، وذلك من خلال وقوع العديد من الافعال المخالفة لأحكام
القانون الانتخابي وذلك ما يعرف بالجرائم الانتخابية بصورها المختلفة، الامر الذي دفع المشرع الجنائي الى اتباع سياسة جنائية محددة لحماية المصالح المهددة الجديرة بالحماية من خلال ايراده نصوصا بالتجريم والعقاب في
القانون الانتخابي.
وبين ان "الجريمة الانتخابية تعرف لدى الفقه بأنها (الأفعال التي تؤدي الى المساس بالعملية الانتخابية في مراحلها المتعددة) او هي (عبارة عن فعل او الامتناع عن فعل من شأنه التأثير على حسن سير العملية الانتخابية سواء كان ذلك قبل موعد عملية الاقتراع كتعمد الشخص قيد اسمه او اسم غيره في جدول الانتخاب دون وجه حق او الاخلال بالقوانين التي تنظم عملية الدعاية الانتخابية او كان هذا الفعل معاصرا لعملية التصويت مثل استخدام القوة او التهديد والوعيد لمنع شخص او اكثر من ممارسة حق الانتخاب او تقديم رشوة للناخب او كان الفعل لاحقا لعملية التصويت مثل سرقة صناديق الاقتراع او إتلاف أو تزوير أوراق الانتخاب)".
وأوضح القاضي ان "الجريمة الانتخابية تقع عادة في فترة زمنية محدد وهي فترة إجراء الانتخابات المحددة من قبل المشرع، وهي على أنواع متعددة فهنالك الجرائم المرتكبة في مرحلة التحضير او الاعداد للانتخابات وهنالك الجرائم المرتكبة في مرحلة الدعاية او الحملة الانتخابية كما ان هنالك من الجرائم الواقعة اثناء عملية الاقتراع او بعدها، وقدر تعلق الأمر بالجرائم الانتخابية الواقعة خلال في مرحلة الدعاية الانتخابية فهي تقع بأشكال متعددة ومتنوعة ومنها جريمة استغلال المال العام واستعماله في تلك الدعاية من قبل المرشح للانتخابات او الحزب المنتمي له".
ولفت الى ان "الدعاية الانتخابية حق مكفول للمرشح تبدأ من تاريخ ايذان المفوضية العليا للانتخابات له ببدء حملته الانتخابية رسميا وتنتهي قبل (٢٤) اربع وعشرين ساعة من تاريخ اجراء الانتخابات عملا بأحكام المادة (٢٤) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية المرقم (١٨) لسنة ٢٠١٨ المعدل بالقانون رقم (٤) لسنة ٢٠٢٣، وتتمثل بالوسائل والاساليب المشروعة المتبعة من قبل المرشح تجاه الناخبين بغية اقناعهم للحصول على اصواتهم اثناء عملية الاقتراع دون ضغط او اكراه على إرادتهم على ان يتم ذلك بأموال مشروعة".
وتابع، "وقد يحصل ان يبادر المرشح للانتخابات باستغلال المال العام في حملته الانتخابية، خاصة ان كان المرشح من الموظفين او المكلفين بخدمة عامة وذا مركز وظيفي او اداري يمكن من خلاله التأثير على ارادة الناخبين، اذ قد يبادر المذكور الى استغلال دائرته في اقامة المؤتمرات الانتخابية له فيها او استخدامه للعجلات او الاثاث او غيرها من الاشياء العائدة لها بذلك من خلال التصرفات السلبية التي برزت في الانتخابات السابقة بالشكل الذي يؤدي الى المساس بالمال العام وهو مال مملوك للدولة او احد اشخاصها المعنوية العامة والمخصص للمنفعة العامة بموجب احكام القانون، دون الاكتراث او الالتزام بالحماية التي اضفاها المشرع للمال العام والمتمثلة بالحماية الدستورية لها ، اذ ورد النص صراحة في المادة (٢٧) من الدستور
العراقي لسنة ٢٠٠٥ على أن (اولا: للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل
مواطن. ثانيا: تنظم بقانون الاحكام الخاصة بحفظ املاك الدولة وادارتها وشروط التصرف فيها والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الاموال)، والحماية المدنية المشار اليها في المادة (٧١) من
القانون المدني
العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ والمحددة بعدم جواز التصرف بالمال العام وعدم جواز تملكها بالتقادم وع.م جواز الحجز عليها ، اضافة للحماية الجزائية للمال العام الواردة في العديد من النصوص العقابية في قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩".
وذكر حمادة ان "المشرع
العراقي اشار صراحة في قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية المشار اليه سلفا، الى عدم جواز استغلال المال العام في الدعاية الانتخابية للمرشحين، اذ منعت المادة (٢٧) منه من تنظيم او عقد المؤتمرات الانتخابية في الابنية التي تشغلها الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة، كما حظرت المادة (٢٨) من استعمال شعار الدولة الرسمي في الدعاية الانتخابية، بينما اشارت المادة (٢٩) الى عدم جواز استعمال موظفي الدولة نفوذهم الوظيفي او موارد الدولة او وسائلها او اجهزتها لصالح انفسهم او اي مرشح غيرهم بما في ذلك الاجهزة الامنية او العسكرية في الدعاية الانتخابية، في الوقت الذي اشارت المادة (٣١) إلى عدم جواز استخدام دوائر الدولة ودور العبادة بأية وسيلة كانت لأغراض الدعاية الانتخابية اضافة الى ما ورد عليه النص صراحة في المادة(٣٣) من
القانون على ان (يحظر الإنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام او من الموازنة العامة الاتحادية المخصصة للوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة او من اموال الوقف او من اموال الدعم الخارجي)".
واختتم القاضي بالقول، "واذا كان المشرع
العراقي قد أشار صراحة في المواد المشار اليها اعلاه، الى منع استغلال المال العام في الدعاية الانتخابية للمرشحين للانتخابات العامة لمجلس النواب والمحافظات والاقضية، لكن اللافت للنظر أن
القانون المذكور وان كان قد حدد الأفعال المخالفة لأحكام
القانون الا انه لم يتم تحديد العقوبات الواجب فرضها عند ارتكاب احد تلك الأفعال وبنقص تشريعي واضح، الأمر الذي يجعل من تلك الأفعال مخالفة لأحكام
القانون وغير معاقب عليها جزائيا في الوقت ذاته سيما أن المفوضية العليا للانتخابات قد اكتفت بوقت سابق بفرض العقوبة الإدارية فقط بحق احد المرشحين للانتخابات النيابية بإلغاء المصادقة عليه وحجب اصواته بسبب استخدامه للمال العام في حملته الانتخابية، وبالتالي كان لابد من معالجة ذلك النقص بإضافة نص تشريعي واضح يحدد العقوبات الواجب فرضها عند ارتكاب احد تلك الأفعال من جهة وممارسة الدوائر الرقابية الحكومية كهيأة النزاهة لدورها في الحفاظ على المال العام وعدم استغلاله لغايات شخصية".