ووصف المسؤولون البريطانيون الاتفاقية بأن الخطوة هي "الأولى من نوعها في العالم" نحو الحد من الهجرة غير النظامية، وزعموا أن توجيهاتها ستحسن
الأمن الإقليمي. ومع ذلك، تعرضت أحكام الاتفاقية لانتقادات من العراقيين، حيث اتهم المنتقدون هذه الأحكام بالفشل في معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع المواطنين إلى مغادرة وطنهم".
وتم الإعلان عن مذكرة
التعاون الأمني خلال الجولة الدبلوماسية التي قامت بها وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر لمدة ثلاثة أيام في
العراق في أواخر تشرين الثاني، وهي الزيارة الأولى من نوعها للعراق منذ عام 2021.
خصصت الاتفاقية، التي تم توقيعها في
بغداد في 26 تشرين الثاني ما يصل إلى 200 ألف جنيه إسترليني (500 255 دولار أميركي) لدعم المشاريع "المتعلقة بالهجرة غير النظامية" في إقليم كردستان.
كما خصصت الاتفاقية 300 ألف جنيه إسترليني (300 383 دولار أميركي) لتدريب قوة أمن الحدود العراقية، مع التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.
كما تمَّ تخصيص 300 ألف جنيه إسترليني أخرى (300 383 دولار أميركي) لإنشاء فريق عمل مخصص لمكافحة الجريمة المنظمة في إقليم كردستان
العراق.
في بيان صحفي، زعم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الاتفاقية ستعالج الهجرة غير النظامية "قبل أن تصل إلى شواطئنا". وفي تعليق منفصل، قالت كوبر إن "الالتزام التاريخي" من شأنه أن "يرسل إشارة واضحة إلى عصابات التهريب الإجرامية" حول نية بريطانيا "ملاحقتهم في جميع أنحاء العالم".
ويشكل
الاتفاق جزءًا أساسيًا من تعهد حكومة حزب العمال في المملكة المتحدة الذي تم تقديمه بعد فوزها الكبير في الانتخابات في تموز "لسحق العصابات" التي تسهل عبور قوارب المهاجرين.
تتضمن سياسة الهجرة الجديدة لستارمر، الممولة بمبلغ 75 مليون جنيه إسترليني (95.8 مليون دولار أميركي)، "قيادة أمن الحدود" الجديدة التي تهدف إلى وقف ما يسمى "عبور القوارب الصغيرة". وقد نقلت مثل هذه الرحلات ما يقدر بنحو 30 ألف شخص عبر القناة التي تفصل بريطانيا عن فرنسا هذا العام.
سجلت المنظمة الدولية للهجرة ما مجموعه 54 حالة وفاة منذ كانون الثاني، مع وقوع أكثر الحوادث فتكًا في أشهر الخريف والشتاء عندما تتدهور حالة الجو والظروف اللوجستية.
ويُعتقد أن ما يقدر بنحو 100 ألف شخص حاولوا عبور القناة منذ عام 2018. ويمثل
الاتفاق الأمني مع
العراق تحولًا استراتيجيًا لمعالجة هذه الأرقام من خلال الاستعانة بمصادر خارجية للسيطرة على الهجرة لحكومات البلدان المصدرة.
ومع ذلك، فإن
الاتفاق بالنسبة لبغداد يبدو أكثر تعقيدًا. من ناحية، يشير
الاتفاق الجديد إلى استعداد
العراق للتعاون مع الشركاء الغربيين في القضايا الأمنية. ومن ناحية أخرى، فإنه يخاطر بتنفير شرائح كبيرة من سكانه الذين ينظرون إلى الهجرة باعتبارها ملاذًا أخيرًا وليس خيارًا.
يزعم المنتقدون أن التركيز فقط على شبكات الاتجار بالبشر يتجاهل قضايا أكثر خطورة مثل البطالة والفساد وعدم الاستقرار السياسي وهي مجموعة من العوامل تدفع أولئك الذين يعيشون في سياقات اقتصادية محرومة أو عنيفة إلى البحث عن فرص أفضل ومكان أكثر أمانًا في الخارج.
تزدهر شبكات التهريب في هذه البيئات، وغالبًا ما تعمل في جوّ إفلات من العقاب وتستغل الثغرات في إنفاذ القانون والأنظمة القضائية. وفي حين تتضمن الاتفاقية الجديدة أحكامًا لتبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم المالي، يتساءل المشككون حول إذا كان يمكن لمثل هذه التدابير أن تترجم إلى نتائج ملموسة في ضوء هذه التحديات النظامية.
يتفق خبراء الهجرة على نطاق واسع على أنه من دون جهود موازية لمعالجة المظالم الاقتصادية والاجتماعية داخل العراق، يُرجّح أن يُنظر إلى السياسات الرامية إلى الحد من الهجرة مثل الاتفاقية الأخيرة كفرض خارجي بدلًا من كونها شراكة مفيدة للطرفين.
وينص أحد أبرز بنود الاتفاقية الأمنية على العودة "السريعة" لطالبي اللجوء
العراقيين المرفوضة طلباتهم من خلال "تقليص البيروقراطية وتحسين التكنولوجيا".
ومع ذلك، وفقًا لوسائل الإعلام البريطانية، رفضت كوبر توضيح عدد
العراقيين الذين ستتم إعادتهم أو مدى سرعة ذلك. وأُفيد بأن مصالح مماثلة تتعلق بالهجرة جعلت سويسرا تعيد فتح سفارتها مؤخرًا في
بغداد.
على الرغم من الضجة الدبلوماسية والمزاعم المتفائلة من قبل المسؤولين، من غير المرجح أن تمنع الاتفاقية الأمنية عبور القناة في الأمد القريب. ويزعم دعاة الهجرة أن الأساليب المماثلة القائمة على الردع تفشل عمومًا في تحقيق أهدافها المعلنة وتزيد في المقابل من المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون.
في نهاية المطاف، سيعتمد نجاح الاتفاقية على تنفيذها في حين لا تزال تفاصيل مهمة عنها بحاجة إلى مناقشة. فحتى لو تمكنت الاتفاقية من تعطيل شبكات الاتجار بالبشر والحد من تدفقات الهجرة، فإن المنتقدين يعتبرون أن السياسة لا تفعل الكثير لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية ومن المرجح أن تستمر.