ومع تصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني النتائج، يكون الاتحاد الوطني أقرب الأحزاب إليه والمرشح للتحالف معه لتشكيل الحكومة، الذي كان دائما الطرف الآخر لتشكيل الحكومة مع الديمقراطي منذ عام 1992 وحتى الآن، ولا يبدو أنه سيكون هناك تأثير للأحزاب الجديدة الأخرى في تشكيل الحكومة رغم حصولها على بعض المقاعد البرلمانية.
وتكمن أهمية
الانتخابات البرلمانية الحالية في إعادة الشرعية للسلطات التشريعية لإقليم كردستان، التي جُردت من شرعيتها من قِبل المحكمة الاتحادية العراقية، بسبب انتهاء المدة القانونية للبرلمان السابق، وبعد تقديم شكوى من قبل المعارضة للمحكمة.
من جهته، رحب الاتحاد الأوروبي بنجاح العملية الانتخابية، وهو الذي كان يطالب باستمرار بضرورة إجراء هذه الانتخابات، وذلك بعدما تأخرت أكثر من عامين بسبب الخلافات الكردية الداخلية.
نتائج العملية
وأظهرت النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في
العراق فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بنسبة 40%، بأكثر من 800 ألف صوت، تلاه في المركز الثاني الاتحاد الوطني الكردستاني بنسبة 20%، وحصل على ما يقارب 400 ألف صوت، وبلغت بنسبة المشاركة 72%، بأعداد أصوات تجاوزت المليونين.
ومن أصل 100 مقعد في البرلمان، سيتمكن الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني من الحصول على 39 مقعدا، في حين سيحصل الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل جلال طالباني على 23 مقعدا.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الوطني الكردستاني كان شريكا رئيسيا مع الديمقراطي الكردستاني في الحكومة السابقة، فإنه أظهر نفسه كمعارض قوي وهاجم غريمه بشراسة، حيث كرر رئيسه طالباني دعوته للمصوتين بإسقاط سلطة الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، متوقعا أن يتسبب في خسارته، لكن نتائج
الانتخابات جاءت مخيبة له بعد حصول الديمقراطي على ضعف أصوات الاتحاد الوطني.
وإلى جانب الحزبين التقليديين، دفعت
الانتخابات الأخيرة عدة أحزاب جديدة للمشاركة للمرة الأولى، من أبرزها "الجيل الجديد" بقيادة السياسي الشاب شاسوار عبد الواحد، الذي حصل على المركز الثالث بنسبة 14.5%، بعدد أصوات وصل إلى 290 ألف صوت، وتبعه الاتحاد الإسلامي الكردستاني بنسبة 5.8%، بعدد 116 ألف صوت.
وتوزعت باقي النسب على قوى أخرى مثل "الموقف" و"جماعة العدل" وجبهة الشعب وحركة التغيير والتحالف والحركة الإسلامية، حيث تؤهلها الأصوات التي كسبتها للحصول على مقعد واحد أو أكثر بقليل في
البرلمان المقبل.
وكان من أبرز مفاجآت هذه
الانتخابات خسارة حركة التغيير التي أسسها الراحل نوشيروان مصطفى عام 2009، والتي كانت تعد أقوى معارضة عبر تاريخ برلمان كردستان الذي بدأ عام 1992، حيث انخفض عدد مقاعدها تدريجيا من 24 مقعدا في أول مشاركة لها إلى مقعد واحد في
الانتخابات الأخيرة.
وأرجع المراقبون ذلك إلى الانقسامات الداخلية التي طالت الحركة بعد وفاة مؤسسها، وتوزّع أصوات أنصارها بين الأحزاب الجديدة، خاصة حركة "الجيل الجديد".
*مفاوضات التشكيل
على ضوء هذه النتائج، أكد رئيس مكتب تنظيم الحزب الديمقراطي الكردستاني هيمن هورامي، أن حزبه حطّم الرقم القياسي في هذه الانتخابات، وتمكّن من الفوز بأكثر من 800 ألف صوت من بين مليوني صوت. وقال إن الديمقراطي الكردستاني لديه تاريخ وجغرافيا واسعان في كردستان، وأن الحكومة العاشرة سيترأسها بدون شك رئيس الوزراء مسرور بارزاني الذي قاد الحكومة السابقة أيضا.
وأكد هورامي، أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بابه مفتوح أمام جميع الأحزاب الحاصلة على مقاعد في
البرلمان لتشكيل الحكومة المقبلة، وأن الحزب سيعمل من أجل مشاركة الجميع في الحكومة، والعمل معا لجعل كردستان أكثر استقرارا وازدهارا.
من جانب آخر، قال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني طارق جوهر، إن العملية الانتخابية كانت ناجحة، و"أستطيع أن أقول إن هذه
الانتخابات كانت الأفضل من حيث المشاركة والتقنية، وكنا نتوقع نتائج أفضل، لكن في الوقت نفسه نحن نتقبل النتائج وحققنا فوزا جيدا، وقد ضاعف الاتحاد الوطني أصواته مقارنة بالانتخابات السابقة، وهو أمر مشجع لنا".
وأضاف جوهر أن حزبه يعمل على ضمان أن تكون الحكومة المقبلة مبنية على الشراكة والتوافق، وأنهم يطمحون لشراكة حقيقية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، "وليس مجرد مشاركة عادية في التشكيلة"، حسب قوله.
وأضاف أنهم يتطلعون لتولي مناصب سيادية في الإقليم، متوقعا أن مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة ستستغرق وقتا طويلا وستكون صعبة، بسبب رغبة الاتحاد الوطني بالشراكة الفعلية.
*استمرار الخلافات
من جانبه، يرى الصحفي والكاتب المتخصص في شؤون إقليم كردستان سامان نوح، أن عملية تشكيل الحكومة المقبلة ستكون صعبة ومعقدة وستحتاج إلى وقت طويل، فليس أمام الديمقراطي بديل غير التحالف مع الاتحاد الوطني.
وفي سبيل تحقيق ذلك، أوضح نوح أن الاتحاد سيفرض شروطه التي سيكون بعضها صعبا، وقال "المشكلة أن جميع الأطراف لا تستطيع التراجع عن خطابها التصعيدي، لأن هناك انتخابات عراقية مقبلة بعد عام واحد، ستتنافس فيها هذه الأحزاب أيضا، وهو ما يستدعي خطابا متحديا حماسيا وربما شعبويا".
ويرى نوح أنه لن يكون للقوى الصغيرة دور كبير في تشكيلة الحكومة لأن مقاعدها قليلة، وهذه المقاعد لن تسعف الحزب الديمقراطي الكردستاني لتشكيل أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة القادمة، كما أن الواقع الكردستاني يفرض على الحزبين بشكل أو بآخر التحالف، حتى لو امتلك أي منهما القدرة على جمع الأغلبية، حسب قوله.
وأضاف الكاتب أن القوى السياسية سواء السنية أو الشيعية ليست فقط غير مهتمة بالوضع في إقليم كردستان، بل تعتقد أن استمرار الخلافات وعدم وجود برلمان وحكومة في الإقليم وضعف المؤسسات تخدم فرض إرادة القوى الاتحادية على الإقليم، وأضاف "جزء كبير من هذه القوى لا يريد أن يتشكل إقليم في كردستان بحكومة موحدة وبإدارة واحدة".
ويشير نوح إلى أن "القوى الشيعية بشكل خاص استفادت من ضعف الإقليم، حيث إنها لن تكترث في حال استمرار الخلافات، لأن هذا يسمح لها بالتحرك بشكل أكبر وبفرض إرادتها في مختلف الملفات بالإقليم كما حصل في السنوات الماضية، حيث ساهم ضعف الإقليم وانقساماته الداخلية في تقوية نفوذ الحكومة الاتحادية على أربيل، وسمح لها بفرض أجنداتها، سواء ما تعلق بقرارات المحكمة الاتحادية أو بمواقف وقرارات الحكومة الاتحادية ضد الإقليم".
لكن، برأي المحللة السياسية نوال الموسوي، فإن الحكومة المركزية دعمت هذه
الانتخابات وأشادت بسيرها وهنأت الكيانات الفائزة، و"بالتأكيد ستدعم الحوار والمفاوضات للوصول إلى تشكيل حكومة توافقية بمعارضة بسيطة".
وقالت الموسوي، "لا يمكن أن يستمر تأخير تشكيل الحكومة أكثر من 45 يوما، ومن الممكن أن تشهد التحالفات نوعا من الشد والجذب والعروض التي تسعى من خلالها الكتل للحصول على الكتلة الأكبر، لكن لن يؤثر ذلك كثيرا على جهود الحزب
الأول في تشكيل الحكومة".