وقال البرلمان، الأربعاء، إنه قرر تأجيل مقترح قانون تعديل الفقرة 57 من
القانون الصادر عام 1957، لمزيد من النقاش، بعدما قدّم رئيس اللجنة القانونية ريبوار عبد الرحمن طلباً بهذا الخصوص "لإشراك منظمات
المجتمع المدني ولجنة
المرأة وحقوق الإنسان في المناقشات حول التعديل".
وقال مراقبون إن ضغوطاً مدنية وموجة انتقادات لم تهدأ منذ الثلاثاء أجبرت
البرلمان على عدم مناقشة التعديل في جلسة الأربعاء.
عاصفة ضد التعديل
وتفاعل آلاف الناشطين
العراقيين مع
حملة لمناهضة التعديل، واستخدموا وسم «#لا_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية» لشرح مخاطر تشريعه.
وأعلن الحزب الشيوعي العراقي، رفضه إدراج مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية على جدول أعمال جلسة
البرلمان.
وقال في بيان صحافي، إن "مسودة التعديل المقدمة تتضمن مواد تتعارض مع الدستور، وبالأخص المادة 14 التي تضمن مساواة
العراقيين أمام
القانون دون تمييز".
وكتبت النائبة آلا طالباني، في منصة X "التعديل سيولد انفلاتاً كبيراً في
القانون وستتحول قضايا الأحوال الشخصية إلى خارج المحاكم الرسمية".
وسبق لقوى شيعية أن تقدمت بطلب تشريع قانون جديد يتيح للمواطنين اللجوء إلى رجال الدين الشيعة والسُّنة للتقاضي في شؤون الزواج والطلاق والميراث، لكن معارضة مجتمعية أحبطت تلك المحاولات.
وكان رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الراحل عبد العزيز الحكيم قد ألغى قانون الأحوال المدنية لسنة 1957، حين تسلم رئاسة مجلس الحكم نهاية عام 2003، قبل أن يعيد الحاكم الأميركي المدني بول بريمر العمل به سنة 2004.
ودار حول مقترح التعديل الجديد الكثير من الأحاديث والجدل والشكوك المتعلقة بالدوافع التي تقف وراء طرحه في هذه الفترة، ومن بين تلك الشكوك ما تسبب به النائب رائد المالكي الذي قدم مقترح التعديل، حين ادعى أن الخطوة جاءت "تلبيةً لرغبة المرجعية الدينية في النجف".
فيما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر من النجف أن المرجع الديني الأعلى علي السيستاني لم يلتقِ أي نائب أو سياسي خلال الفترة الماضية.
أبرز الاعتراضات
إلى جانب عاصفة الانتقادات للتعديل الجديد، التي عدّته تراجعاً مؤسفاً ترتكبه قوى الإسلام السياسي عن المكتسبات المدنية والاجتماعية التي حققها
القانون النافذ، فضلاً عن أن التعديل يعيد البلاد إلى لحظة الانقسام الطائفي. رأى المحامي علاء عزيز المانع أن "التعديل الجديد يلقي بظلاله القاتمة على مجمل فقرات
القانون النافذ، لكنه يلامس وبشكل جوهري قضيتين أساسيتين سيكون لهما تأثير كارثي على مسار أحوال المواطنين الشخصية ويزيد من حجم المشاكل المرتبطة بقضيتي الزواج والطلاق".
ونقلت الشرق الأوسط عن المانع، قوله إن "القضية الأولى تتمثل في أن التعديل الذي طال المادة العاشرة من
القانون النافذ، المختصة بمسألة السماح بزواج الأشخاص خارج المحاكم المدنية من دون أن تطول المتزوج أي عقوبة قانونية كان
القانون النافذ يفرضها وغالباً ما تكون مالية، وهذا التعديل سيفضي إلى مشاكل لا حصر لها، خصوصاً بالنسبة إلى الذين يرغبون في الزواج مرة ثانية وثالثة من دون أن يضطروا إلى تقديم أي سند يثبت أهليتهم لذلك، في حين يفرض
القانون النافذ موافقة الزوجة الأولى ويشترط أن يكون الزوج قادراً على تحمل نفقات زواجه الثاني وهكذا".
ويضيف المانع "هذا الأمر يرتبط بالتعديل المتعلق بأعمار مَن يحق لهم الزواج، حيث يعلق التعديل هذا الحق على ما تقره المذاهب الدينية، وليس
القانون الذي يحدّد عمر البلوغ والزواج بـ18، وفي حال الزواج في عمر 14 – 17، فإنه يفترض موافقة أولياء الأمور ويمنح سماحات في هذا الجانب".
وحذر المانع من "ترك الأمر للتحديد المذهبي، لأن
العراق سيسجل عدداً هائلاً من زيجات القاصرين والقاصرات بعمر 9 سنوات وصعوداً كما تقره بعض المذاهب الإسلامية"، مشيرا إلى "مدونة الأحوال الشخصية التي يقترح التعديل إسنادها إلى الوقفين الشيعي والسني ويحملهما مسؤولية كتابتها كي يتمكن قضاء المحاكم المدنية من الحكم بضوئها في قضية الزواج والطلاق".
ويعتقد المانع أن التعديل يقترح أن تستند المدونة إلى فتاوى أشهر العلماء وأبرزهم وأكثرهم تقليداً من قبل الجمهور، وهذا سيضيف تعقيداً آخر على قضايا الأحوال الشخصية الموجود أصلاً حتى في
القانون النافذ، ذلك أن مسألة اتفاق الناس على مرجع أو عالم دين محدد شبه مستحيلة.
وكان النائب رائد المالكي، وهو صاحب مقترح التعديل، قد أشار إلى أن "أحكام المدونة الشرعية ستتضمن بابين؛ الأول للفقه الجعفري والآخر للفقه السني".
وأوضح أن "مقترح
القانون يحافظ على وحدة السلطة القضائية ولا يخلق ازدواجاً في المحاكم، وستكون هناك فقط أحكام
القانون 188 وأحكام المدونة، وستطبق المحاكم الحالية كليهما حسب اختيار الشخص عند إبرام عقد زواجه".
وأقر المحامي علاء المانع "ببعض المشاكل المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية النافذ، خصوصاً المتعلقة بقضية حضانة الأولاد قبل سن البلوغ، لكنه في المقابل، رأى أن المطلوب هو تعديل بعض المواد بطريقة مناسبة وليس تمزيق
القانون بهذه الطريقة الكارثية".