ويبدو ان،
إسرائيل ترى في هذا الممر ورقة لضمان عدم قيام كيان مستقل في
غزة بعد الحرب، أما المقاومة الفلسطينية فتعتبرها نقطة استراتيجية تستحق التضحية من أجلها، حتى لو استمرت الحرب لسنوات، وذلك لأسباب أهمها أن هذا الممر سيكون بمثابة "إمعان إسرائيلي في التضييق على قطاع
غزة خاصة وأنه قد يكون الفرصة للسيطرة على غاز
غزة وثرواتها"، إضافة إلى أنه سيكون نقطة مهمّة للممر
الهندي الأوروبي بمواجهة طريق الحرير، بحسب ما قاله الدكتور عامر الشوابكة المحلل والباحث الاقتصادي لجريدة "الأنباء" الالكترونية.
الخلفية التاريخية
أسست
إسرائيل مستوطنة نتساريم عام 1977 على بعد خمس كيلومترات من مدينة غزة، بمساحة تقدر بـ 2.325 كلم2، بينما امتدت أراضي المستوطنة لتصل إلى 4.3 كلم2 لتأمين مناطق فاصلة لحماية المستوطنين حينها. ومع اشتداد هجمات الفصائل الفلسطينية، اضطرت
إسرائيل لإجلاء المستوطنين من نتساريم في آب 2005، قبل عامين من سيطرة حركة حماس على قطاع
غزة وانسحاب
إسرائيل الكامل.
الاهمية الاقتصادية والسياسية
محور نتساريم يعد بوابة لميناء بايدن المزمع بناؤه على شاطئ البحر بالقرب من منطقة الشيخ عجلين. هذا الميناء يتم بناؤه بحجة تسريع وصول الإمدادات والمساعدات العسكرية الأميركية لجيش إسرائيل، وضمان تدخل أميركا الفوري في حالة الحاجة، ويضمن اتصالًا دائمًا بين القواعد العسكرية الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، إنما الحقيقة فهي أن الممر يسهّل السيطرة على حقل غاز
غزة إذ لا تقل الأهميّة الاقتصادية من هذا الممر عن أهميته العسكرية والسياسية.
في هذا السياق، يشير د. الشوابكة إلى أن "سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على هذا الممر وإعادة فتحه مجددا بعد حوالي 20 عاماً من الانسحاب من هذه المنطقة تحديدا يظهر نيتها أولا باقتراب محاولاتها لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية مستغلة الموارد الموجودة في المنطقة، وثانيا بالسيطرة على غاز
غزة خصوصا الموجود في حقول مارين 1 و 2 والتي كانت تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، إنما مع بدء ظهور النوايا المبيّتة بالسيطرة الأميركية- الإسرائيلية على غاز
غزة فهذا الأمر سيتبدّل خاصة وأن عائدات هذا الغاز تقدّر سنويا ب 3 مليار دولار في حال تم استخراجه وضخّه وتصديره بعد ربطه بشبكة اسرائيل للغاز عبر أنابيب إلى القارة الأوروبية وهذا المخطط كان واضحا من اقتراح المنصة التي عرضت من قبل وزير خارجية الاحتلال في الاتحاد الأوروبي والتي هي بالقرب من ممر نتساريم".
ويضيف الشوابكة أنه من المشاريع الاقتصادية التي تطمح لها اسرائيل إذا ما سيطرت على جغرافيا
غزة هو "الحلم الاسرائيلي بتنفيذ قناة بن غوريون والتي ستكون بديلة لقناة السويس وتسّهل المرور عبر قناة تشق طريقها ما بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وبجدوة اقتصادية قد لا تتجاوز ال5 سنوات باستعادة التكاليف التي قد تنفقها لبناء هذه القناة الجديدة، وهذا حتما سيجعل لاسرائيل نفوذ من نوع آخر في المنطقة وقوّة على الصعيد الدولي والاقليمي عدا عن العوائد القتصادية التي ستجنيها إن كان من هذه القناة أو من الممر الاقتصادي وحتى من المردود التي قد تجنيه من غاز
غزة الطبيعي".
خبير عسكري
وقال الخبير العسكري العقيد ركن حاتم الفلاحي في حديث لقناة "الجزيرة" إن محور نتساريم الذي يربط شرق قطاع
غزة بغربه له أهمية كبيرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لأسباب متعددة، أبرزها فصله شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وهو ما يأتي ضمن مخطط الاحتلال لتقسيم القطاع.
وأضاف الفلاحي، أن من أسباب أهمية هذا المحور كذلك منع عمليات التسلل التي يمكن أن تحدث باتجاه مناطق الشمال، ومن ثم التحكم بحركة المدنيين، كما أن هذا المحور عملياتي متقدم، ويسمح للقطاعات الآلية والمدرعة بالتقدم لعمق الموضع الدفاعي داخل قطاع
غزة.
وأشار الخبير العسكري إلى أن هذا المحور فيه 3 ممرات، أحدها للعجلات المدولبة، والثاني للعجلات المدرعة، والأخير ممر للحركة السريعة، مما يعني إمكانية استخدامه باعتباره منطقة آمنة يمكن الانتقال خلاله بسرعة كبيرة تصل إلى 7 دقائق من الشرق، تجاه البحر في الغرب.
ويرى الفلاحي أن الاحتلال يحاول الاستفادة من هذا المحور عملياتيا، واستخدامه كورقة للضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مفاوضات صفقات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، على اعتبار أنه سيكون موجودا بصورة دائمة في هذه المنطقة.
سبب التسمية
وتعود تسمية هذا المفترق إلى اسم المستوطنة التي كانت مقامة فيه قبل عام 2005، حيث أقيمت مستوطنة نتساريم عام 72 ككتلة استيطانية وواحدة من مستوطنات ناحال عوز، وتعد منطقة هذا المفترق منطقة زراعية وتمتاز تربتها بالخصوبة حيث كان المستوطنون يعملون على زراعة المانجو والعنب والبطاطا والبندورة والكرز وغيرها، وقبل خروجهم منها حوّل الجيش جميع أراضي هذا المفترق إلى صحراء بحرقها كاملة وسرقة ترابها بحرمان أهالي القطاع من زراعتها والاستفادة منها.
ومنذ الهجوم البري الذي شنه جيش الاحتلال على القطاع في تشرين أول 2023، بدأت آليات الاحتلال بالاستيلاء على هذا الطريق بل وتعبيده وصولا إلى شاطئ البحر، مستهدفا الغزيين الذين يحاولون العودة إلى شمال القطاع.
وقررت السلطة الفلسطينية في عام 1998 -عندما كان قطاع
غزة يقع تحت إدارتها- بناء مدينة الزهراء جنوب مستوطنة "نتساريم"، وذلك بهدف إيقاف زحف المستوطنة التي كانت تتوسع للاستيلاء على المناطق المحيطة بها، خاصة إلى الضفة الشمالية من وادي
غزة ومخيم النصيرات الواقع وسط القطاع، كما هو الحال في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة في وقتنا الحالي.
الأهمية العسكرية
أما أهميته العسكرية، فيعد هذا المفترق هدفا واضحا للمقاومة الفلسطينية منذ سبعينات القرن الماضي، حيث تم استهدافه عام 2003 بعملية واسعة مشتركة من قبل المقاومة، واستهدف من قبل ذلك خلال أعوام 95 و2001 و2002، كما تم استهدافه في عملية واسعة عام 2004، حيث خسر الاحتلال عشرات الجنود إثر هذه العمليات.
محمد الدرة استشهد في مفترق نتساريم
ومن الجدير بالذكر أن مفترق نتساريم شهد الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال بحق الطفل محمد الدرة عام 2000 عند مفترق نتساريم، حيث استهدفه جيش الاحتلال مختبئا في حضن والده، وما زال الصوت الذي يقول: "مات الولد" شاهدا على واحدة من أبشع جرائم الاحتلال.
تصر المقاومة على خروج الاحتلال من هذا المفترق، مؤكدة من خلال ذلك على إفشال خطط الاستيطان أو شق القطاع إلى نصفين، ومؤكدة حق الغزي في جميع أنحاء أرضه.