رافق الدحدوح إلى العريش ثم إلى
قطر ابن أخيه وزوج ابنته، في الوقت الذي لم يظهر فيه خروج أي من بقية أبنائه، وقد كان الدحدوح قد فقد زوجته وابنه
محمود وابنته الصغيرة شام وابن بنته آدام، في قصف استهدف المنزل الذي لجأوا إليه بعد نزوحهم من
الشمال إلى
مخيم النصيرات جنوب وادي غزة، في 25 أكتوبر/تشرين
الأول 2023.
ولعائلة الدحدوح سيرة مع فلسطين ونكبتها، إذ ساهموا بدمائهم منذ حرب 1948 فارتقى منهم الشهداء، ومنهم من قدم فلذات كبده مثل وائل الدحدوح. ووائل بخلاف كونه صحفياً، فهو ينتمي لهذه العائلة المقاومة، وسيرته فيها بعض الحكايا كإنسان ومناضل.
وائل الدحدوح المخزومي
ولد وائل حمدان إبراهيم الدحدوح في 30 أبريل/نيسان 1970، في حي الزيتون شمالي قطاع غزة، لعائلة تنحدر من نسل خالد بن الوليد، فهي عائلة قرشية مخزومية، رحلت إلى الأردن مع الفتح الإسلامي، وتوزعت بين بلاد الشام ومصر.
في فلسطين استوطنت العائلة مدن نابلس ويافا وغزة، وفرع عائلة وائل يتضمن المواطنين الذين استوطنوا الزيتون قديماً، وعملوا في الفلاحة والزراعة، كما عملوا في التجارة في العديد من الأوقات عندما ضنت عليهم السماء بمائها.
تحافظ عائلة الدحدوح على عادات عربية وترابط عشائري؛ فهم يعيشون في منزل عائلة واحد، ويتزوجون من أبناء بعض، كما فعل وائل في زواجه من أمينة الدحدوح، وولده حمزة في زواجه من أقربائه، وزواج ابنة وائل من ابن عمها. كما تحافظ العائلة على ممارسة الفلاحة، إذ حافظ وائل على عدد ساعات يقضيها في أرضه بين كروم العنب، ويساهم في حرثها.
الدحدوح عائلة مناضلة
وللعائلة تاريخ نضالي، فقبل حرب طوفان الأقصى قدمت العائلة أكثر من 21 شهيداً، بعضهم استشهد في النكبة دفاعاً عن يافا. واستمر النضال خلال الانتفاضة الأولى، فقد شارك وائل الدحدوح في الانتفاضة 1987م وهو في الثانوية العامة "التوجيهي".
ونظراً لتفوقه حصل وائل الدحدوح على منحة الطب في العراق، وفي الفترة التي كان ينتظر خلالها ترتيبات سفره إلى العراق، وهو نائم في كرم العنب خلف دارهم، هجم جيش الاحتلال ليتخذه أسيراً، وحكم عليه بالسجن 15 عاماً، قضى 7 سنوات في السجن و8 لم تنفّذ.
في تلك الأثناء كانت عائلة الدحدوح تنتمي للجهاد الإسلامي التي أسسها فتحي الشقاقي، وبعد إبعاد الحركة الإسلامية من حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور، انتفض ابن عمه فخري عطية الدحدوح ينفذ أول عملية طعن ضد الصهاينة في تل أبيب في يناير/كانون الثاني 1993.
بعدها بما يقرب من عامين خرج وائل الدحدوح من الأسر، إذ دخل السجن بعمر 18 عاماً وخرج منه بعمر 25 عاماً، وقد فاتته فرصة تعلم الطب، وقتها قرر أن يدرس في الجامعة الإسلامية بغزة التابعة للحركة الإسلامية، إذ كان قسم الإعلام افتتح حديثاً.
على مستوى النضال؛ زوجة عم وائل إحدى خنساوات فلسطين، إذ ارتقى لها 3 من أبنائها شهداء جراء اغتيالات، أبرزهم خالد الدحدوح، أما وائل فاستشهد أخوه أمين حمدان الدحدوح عام 2004، وهو أحد أعضاء سرايا القدس.
أما ابن عمه أبو الوليد خالد الدحدوح فهو أعلى رتبة عسكرية في العائلة، إذ كان من مؤسسي سرايا القدس، وتولى قيادتها خلفاً لمحمد الشيخ خليل "الهشت" بعد استشهاده في 2005، واستشهد خالد الدحدوح في 2006.
الإعلام مسيرة وائل الدحدوح
حصل الدحدوح مرة أخرى على الشهادة الثانوية العامة في السجن، حاول السفر بعد خروجه من السجن إلا أن الاحتلال قيد حركته ومنعه من السفر، فالتحق بالجامعة الإسلامية في كلية الآداب قسم الإعلام، وتخرج فيها عام 1998م، عمل في الصحافة حتى 1999، عندها انضم لصحيفة القدس إذ عمل مراسلاً لها.
التحول الكبير في مسار وائل المهني عندما انضم لصوت فلسطين، وعمله مراسلاً لقناة سحر الفضائية عام 2000، إذ كانت أحداث الانتفاضة الثانية قد اندلعت، وقتئذ كانت الشجاعة والفرصة، إذ استطاع وائل المخاطرة والتغطية في أماكن النضال والنزاع الفلسطيني مع الاحتلال.
عمل في عام 2003 مع قناة العربية كمراسل، لكنه لم يستمر كثيراً، فمع قلة عدد المراسلين في غزة، لفت انتباه الجزيرة، وقُبل في وظيفة مراسل عام 2004، وساهم في تغطية اغتيالات 2004 للشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وفي تلك الفترة استشهد أخوه وثلاثة من أبناء عمومته، كما غطى استشهاد رفاقه وزملائه في حي الزيتون.
وبدأ اسمه في الظهور أكثر مع تغطيته أحداث التصعيد جراء اختطاف جلعاد شاليط 2006، قبل أن تدخل لبنان على الخط وتبدأ حرب يوليو/تموز، وبعدها بعام كان وائل أبو حمزة حصل على الماجستير من جامعة القدس 2007 في تخصص الدراسات الإقليمية.
وائل الدحدوح.. تغطية الحروب
غطى الدحدوح الانقسام الفلسطيني، وقد كان له تقرير أيقوني عندما التقى بزميله من مصر سمير عمر بعد هدم الحدود بين
غزة ومصر في يناير/كانون الثاني 2008. إلا أن التحول الثاني في مسيرته المهنية كان تغطيته لحرب 2008، إذ غطى داخل حي الشجاعية الذي كان يتعرض للقصف والاجتياح.
وقد كانت له مشاهد بعضها ما زال حاضراً في الذاكرة حتى اليوم، أحدها عندما انقطعت الكهرباء عن المستشفيات بسبب منع إسرائيل الوقود في حرب 2008، فتوقفت أجهزة التنفس للمصابين بشلل الرئة، إذ أجرى لقاءً مع أسرة طفل يقوم المسعفون بالتناوب لإجراء تنفس بشكل يدوي من خلال الضغط على مضخة للهواء.
تعرض منزل أسرته في حرب 2008 للاستهداف، ولم يستطع المعاونة في إنقاذ أهله من هناك، ونجت العائلة، إلا أن هذا الحادث أصبح محفوراً في ذاكرته، إذ لم يستطع المساهمة في تخفيف الآلام عن أمه وأبيه.
تولى فيما بعد إدارة
مكتب الجزيرة في غزة، وقاد المكتب في تغطية حرب 2012، ثم حرب 2014 التي كانت صعبة على الدحدوح، إذ كان إلى جوار الدحدوح ابنه حمرة ذو الـ18 ربيعاً، حيث شاركه توثيق آثار العدوان الإسرائيلي، إذ عمل كمصور إلى جوار والده.
أنتج حلقات لبرامج عدة في قناة الجزيرة، وفيلماً عن أنفاق المقاومة في غزة، وعن عمليات المقاومة خلف خطوط جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب عام 2014. كما غطى للجزيرة مناسك الحج عام 2011، وبسبب تغطيته وزملائه تعرض
مكتب الجزيرة لاستهداف بشظايا كتحذير، وفي حرب سيف القدس 2021 تم هدم البرج بصواريخ بانكر، بعد إخلائه فوراً.
وائل الدحدوح
لوائل 8 أبناء وبنات، أكبرهم حمزة وبه يكنى "أبا حمزة"، وأصغرهم شام، وقد استهدفت عائلته بعد نزوحها من حي الزيتون جنوبي مدينة
غزة في الشمال، إذ نزحت العائلة إلى منزل في
مخيم النصيرات بوادي
غزة.
وإذ كان وائل الدحدوح يغطي العدوان الإسرائيلي يوم 25 أكتوبر/تشرين
الأول في الساعة الثامنة مساءً بتوقيت مكة، اتصلت عليه ابنته لتخبره بانهيار المنزل بعد استهدافات إسرائيلية، إذ استشهد يومها ابنته الصغرى شام وحفيده آدم وابنه
محمود وزوجته أمينة الدحدوح.
قال الدحدوح بعد استهداف أسرته: "معلش.. بنتقموا منا بالأولاد؟ معلش.. دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار، فليخسأ جيش الاحتلال".
شيع أفراد عائلته الذين استشهدوا في 26 أكتوبر/تشرين
الأول من مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وانهالت التعازي على الصحفي من مؤسسات عالمية ومنظمات حقوقية، وبعض الدول.
وتعرض الدحدوح لاستهداف مع الصحفي سامر أبو دقة في 15 ديسمبر/كانون
الأول 2023، فارق سامر الحياة بعد تركه مسجى على الأرض لست ساعات ينزف، أما وائل فقد استطاعت فرق الإنقاذ نقله إلى المستشفى بعد أن أصيب بشظايا وتمزق في أوتاره، ثم ليشارك النازحين في مستشفى خان يونس الأرض واللعب والمواساة.
واستهدف ابنه البكر حمزة الدحدوح الذي احتفل بزفافه منذ عامين، إذ استهدفت طائرات الاحتلال سيارته التي كان يستقلها مع زميله مصطفى ثريا يوم 7 يناير/كانون الثاني 2024 في غرب خان يونس.
حصل الدحدوح بحسبه على أبرز تكريم له عندما حُمل على الأكتاف في نهاية حرب 2014، وعندما احتفى به أهالي القطاع في نهاية حرب سيف القدس 2021، إذ كان ذلك اعترافاً من الناس بفضله في المشاركة في نقل معاناتهم والتخفيف عنهم بتأليب الرأي العالمي نصرة لهم، وقد حصل على جائزتي تكريم: الأولى: للسلام، من خلال الإعلام في لندن عام 2013، كما حصل على جائزة حرية الصحافة من نقابة الصحفيين في مصر عام 2024.