اكتشاف أهمية غسل اليدين
حين بدأ الطبيب الهنغاري عمله في
مستشفى التوليد في فيينا، كانت نسبة الوفيات بين النساء أثناء الولادة مرتفعة للغاية، حيث تراوحت بين 25 و30 في المئة. كانت معظم الحالات تعاني من حمى الولادة التي لم تُعرف أسبابها في ذلك الوقت. في هذا المستشفى، كان الأطباء يبدأون يومهم بتشريح جثث النساء اللاتي توفين في اليوم السابق، ثم يقومون بعلاج المريضات قبل أن يتوجهوا لإجراء عمليات التوليد.
شك الطبيب في أن تنقل الجراحين بين الأقسام والمرضى بكثافة يساهم في انتشار العدوى، فلا بد من أنهم ينقلون مادة ما من المشرحة إلى أجساد الأمهات عبر أيديهم، وخصوصاً أنها كانت دائماً متسخة وتعف منها رائحة كريهة، وكان هذا سائداً بين الأطباء حينها. طلب إغناس من الجراحين تعقيم أيديهم بمادة الكلور قبل إجراء عمليات الولادة ، ومع بدء الالتزام بقراره انخفضت معدلات الوفيات في القسم الذي يعمل فيه من 18.27 إلى 1.27 في المئة، وفي مارس وأغسطس من عام 1848 لم تمت أي امرأة أثناء الولادة في قسمه. اعترف الأطباء الشباب في فيينا بأهمية
اكتشاف سيميلويس وقدموا له كل الدعم الممكن. ولكن سرعان ما لقى طلب إغناس رفضاً كبيراً من الجراحين الذين كانوا يصنفون من وجهاء القوم، ورأوا أن طرح غسل أيديهم النبيلة يضعهم في مصاف المواطنين الأقل شأنا.
بعد فترة أصيب طبيب بعوارض حمى الولادة بعد أن جرح يده خلال العمل في المشرحة ، هنا تأكد إغناس من فرضيته بأن سبب الحمى هو عدوى مصدرها المشرحة وليس الولادة بحد ذاتها ، لكنه لم يكن قادراً على تقديم شرحه، وكان هذا أمر علمي لنظريته ولطبيعة العدوى. جميع محاولاته لإقناع الأطباء بغسل اليدين باءت بالفشل على الرغم من إثبات فعاليتها في السابق.
اضطهاد مهني
في ذلك الزمن كان سائداً أن الأمراض تنتقل عبر الهواء ومن خلال الروائح النتنة. وكان الطاقم الطبي يكتفي بما وصل إليه العلماء ولم يكن منفتحاً على طرق جديدة وبحوث تنافي ما توصلوا إليه. وطرد سيميلفايز من المستشفى ونبذ بين زملائه.
وفي عام 1848، اجتاحت ثورة سياسية ليبرالية أوروبا، وشارك سيميلفايز في الأحداث في فيينا. بعد قمع الثورة، وجد أن أنشطته السياسية زادت من العقبات أمام عمله المهني. في عام 1849، أُقيل من منصبه في العيادة. ثم تقدم بطلب للحصول على وظيفة تدريس في الجامعة في التوليد، لكن تم رفضه. بعد ذلك بوقت قصير، ألقى محاضرة ناجحة في الجمعية الطبية في فيينا بعنوان "أصل حمى النفاس أو الولادة". في الوقت نفسه، تقدم مرة أخرى لوظيفة التدريس، ورغم أنه حصل عليها، كانت هناك قيود اعتبرها مهينة. غادر فيينا وعاد إلى بيست في عام 1850.
نظريته تثبت فعاليتها
عمل في السنوات الست التالية في
مستشفى سانت روخوس في بيست. تفشى وباء حمى النفاس في قسم التوليد، وبطلبه، تم تكليفه بإدارة القسم. قامت تدابيره بتقليل معدل الوفيات بسرعة، وفي سنواته هناك، بلغ المعدل 0.85 في المئة فقط. في براغ وفيينا، كان المعدل لا يزال يتراوح بين 10 إلى 15 في المئة.
في عام 1855، عُين أستاذًا للتوليد في جامعة بيست. تم قبول أفكاره في المجر، وأصدرت الحكومة تعميمًا إلى جميع السلطات المحلية تطلب فيه إدخال طرق سيميلفايز الوقائية. في عام 1857، رفض منصب أستاذ التوليد في جامعة زيورخ. ظلت فيينا معادية له، وكتب محرر مجلة Wiener Medizinische Wochenschrift أنه حان الوقت لوقف الهراء حول غسل اليدين بالكلور.
نهاية مأساوية... المرض يثأر لنفسه!
في عام 1861، نشر سيميلفايز عمله الرئيسي، "علم أسباب وأصول حمى النفاس". أرسلها إلى جميع أطباء التوليد البارزين والجمعيات الطبية في الخارج، لكن رد الفعل العام كان سلبيًا. كانت سلطة المؤسسات الطبية قائمة ضد تعاليمه. وجه عدة رسائل مفتوحة إلى أساتذة الطب في دول أخرى، ولكن دون جدوى. أصبحت رسائله تدريجيًا أكثر حدة، مع تعبيرات عن الغضب والإحباط والمرارة. في مؤتمر للأطباء الألمان والعلماء الطبيعيين، رفض معظم المتحدثين عقيدته.
اعتبارًا من عام 1861، تدهورت حالته النفسية، وعانى من نوبات شديدة من الاكتئاب. انتهى الأمر بزملائه إلى إقناعه بزيارة مؤسسة نفسية، حتى باغتته زوجته وأرسلته إلى مصحة للأمراض العقلية. احتج وحاول المغادرة، لكنه تم احتجازه من قبل الحراس. تعرض للضرب الشديد، ووضع تحت الحراسة. توفي بعد أسبوعين من احتجازه في الملجأ.
من المفارقات أن مرضه ووفاته كانا بسبب عدوى في جرح في يده اليمنى، بعد تعرضه للضرب من قبل الحراس. أظهر تشريح الجثة أنه توفي بنفس المرض الذي كافحه طوال حياته المهنية.
تقدير سيميلفايز
دفن إغناز ولم يلقى أي تقدير إلا في أواخر القرن التاسع عشر، حين بلور العالم الفرنسي لويس باستور نظرية تكون الأمراض من الجراثيم والبكتيريا. وبالتالي أثبت نظريته وفي القرن العشرين بدأ اعتماد غسل اليدين ضمن البروتوكول الطبي. واحتفت هنغاريا والنمسا والمجتمع الطبي كله بسيميلفايز.