ولكن ارتفاع نسبة استخدام شبكة الإنترنت للبحث عن فرص عمل، ترافق مع صعود غير مسبوق في حوادث السرقة والنصب في التوظيف، حيث تمكنت العصابات من خداع ملايين المستخدمين حول العالم عبر مختلف المنصات الإلكترونية، من أجل سرقة أموالهم والوصول إلى حساباتهم البنكية بعد إعطائهم الوعد بالحصول على وظيفة.
ووفقاً لتقرير أعدته "CNBC"، فقد ارتفعت معدلات الاحتيال الوظيفي في أميركا وحدها بنسبة 118 في المئة خلال عام 2023، مقارنة بعام 2022 وذلك بمساعدة من الذكاء الاصطناعي، إذ يتظاهر المحتالون عموماً بأنهم مسؤولو توظيف وينشرون قوائم وظائف مزيفة لإغراء الباحثين عن عمل أو الساعين إلى تطوير دورهم الوظيفي بأمور غير موجودة.
وفي كثير من الأحيان، يضع المحتالون قوائم التوظيف المزيفة على مواقع الويب ذات السمعة الطيبة، مثل LinkedIn وغيرها من منصات البحث عن الوظائف، حسبما ذكر "مركز موارد سرقة الهويات" في أميركا، مما يجعل من الصعب على المستخدمين التمييز بين الحقيقة والكذب.
ومن المخططات الشائعة التي يستخدمها أيضاً المحتالون، إرسال رسائل عبر تطبيق واتساب، لإغراء الأشخاص بفرص عمل لم يتقدموا لها، ليقوموا بعد ذلك بطلب إرسال أموال أو معلومات شخصية حساسة، يمكنهم استخدامها لسرقة أموال الباحث عن عمل عبر انتحال هويته.
وبحسب لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، فقد أبلغ عدد من الضحايا، عن خسارة 367 مليون دولار في عام 2022، بسبب عمليات الاحتيال المتعلقة بالوظائف وفرص العمل في أميركا، بزيادة 76 في المئة على أساس سنوي، خصوصاً بعد التطورات التي شهدها الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى نمو خيار العمل عن بعد، فهذه العوامل ساهمت بتغذية نمو عمليات الاحتيال في الوظائف، حيث أن الذكاء الاصطناعي يسمح للمحتالين، بإنشاء قوائم وظائف ورسائل توظيف أكثر اقناعاً.
8 إشارات تدل على وجود احتيال
أما العوامل التي تدل على أنك قد تكون ضحية لعملية سرقة ونصب في التوظيف عبر الإنترنت، فهي على الشكل الآتي:
إذا كان الإعلان الوظيفي الذي يتم عرضه عليك يبدو مثالياً ويتضمن فرصاً واعدة بجني الكثير من المال بسرعة يصعب تصديقها، فاحذر من الوقوع في الفخ، حيث أن الهدف من هذا الأمر هو تقديم وعود كبيرة تجعلك مندفعاً لتسليم الجهة التي تحاورك، كافة البيانات الحساسة التي تطلبها.
إذا سارعت إحدى الشركات إلى تقديم وظيفة لك، دون إخضاعك لأي اختبار أو دون إجراء أي مقابلة، فكن حذر، حيث أن عملية التوظيف المشروعة تتطلب مقابلة واحدة على الأقل، حتى لو كان ذلك عبر الهاتف فقط.
غالباً ما يتواصل مديرو التوظيف الحقيقيون، بشكل بارد مع الموظفين المحتملين، فإذا وجدت أن الشخص الذي يتواصل معك عبر الإنترنت ودود لدرجة كبيرة، فاعلم أن هناك خطباً ما في الأمر.
إذا تواصل معك أحد الأشخاص ليعرض عليك وظيفة مغرية بشكل "غير عادي"، لم تتقدم لها أصلاً، فيجب عليك أن تكون متشككاً مما يحدث.
في بعض الأحيان يصر المحتال على أنه لا يستطيع تقديم أي تفاصيل عن الوظيفة الجديدة بسبب السرية، وبشكل عام، إذا لم يتمكن
مسؤول التوظيف من تقديم ملخص عن الوصف الوظيفي، فهذه علامة كبيرة على أنك أمام عرض عمل وهمي.
إذا كان العرض الوظيفي يحتوي على أوصاف "غامضة"، ولا يوفّر معلومات كافية حول المسمى الوظيفي والموقع والمسؤوليات الرئيسية، فهذا يشير إلى أنك قد تكون ضحية لعملية احتيال.
يحاول بعض المحتالين الضغط على الباحث عن عمل، من خلال إيهامه بضرورة إتمام "صفقة التوظيف" خلال ساعات معدودة عبر تسليمهم المستندات الحساسة المطلوبة بسرعة، ولذلك يجب على الأشخاص العقلانيين، أن يأخذوا الوقت الكافي للتحقق من أن الشخص الذي يتحدثون معه حقيقي، ويعمل نيابة عن منظمة حقيقية، ففرصة العمل المشروعة لن تختفي خلال ساعات.
على مدير التوظيف الذي يتحدث مع الباحث عن عمل أن تكون هويته واضحة، وأي محاولة للبقاء مجهول الهوية تدلّ على وجود خلل.
كيف يمكن اكتشاف حالات الاحتيال في التوظيف؟
وتقول هنادي داغر وهي مديرة شركة للعلاقات العامة والتواصل والإعلام، إن "الاحتيال في التوظيف لا يعد أمراً حديثاً على الإنترنت، وهو يمثل ما نسبته 9 في المئة من إجمالي عمليات الاحتيال المنظمة، التي تتم عبر
الشبكة العنكبوتية"، مشيرة إلى أن "أشكال عمليات الاحتيال المتعلقة بالوظائف، اختلفت كثيراً عن الماضي، ولكنها في النهاية تجمع على شيء واحد فقط، وهو إرسال أموال ومعلومات حساسة من اجل الحصول على الوظيفة".
وبحسب داغر فإن تفادي الوقوع ضحية حالات الاحتيال في التوظيف وتجنبها، لا يحتاج إلا للقليل من الجهود، حيث يوجد مجموعة من النصائح التي يمكن اتباعها، من أجل اكتشاف هذه العروض الوهمية وعدم الانجراف ورائها، فمثلاً لا توجد وظيفة في العالم تطلب منك دفع مبلغ تأميني أو عمولة مسبقة، من أجل التوظيف، وحتى شركات التوظيف الكبيرة التي قد تطلب منك ذلك، فإنها تقوم باقتطاع جزء من أول راتب تحصل عليه بعد توظيفك، ومهما كان المبرر الذي وجده المحتال من أجل إقناعك بدفع الأموال مسبقاً، فإن مجرد تفوهه بهذا الطلب يشير لكونه محتالاً.
وتشرح داغر أن إحدى الطرق التي تستند إليها عمليات النصب في التوظيف عبر الإنترنت، تتمثل بجعل العرض مغرياً، من حيث سهولة الوظيفة المعروضة والدوام القصير والراتب المرتفع، فهذا العرض غير المنطقي دائماً ما يكون خدعة نهايتها الطلب من الباحث عن وظيفة، تسجيل دخوله إلى موقع وهمي من أجل سرقة بياناته، مشددةً على ضرورة أن يقوم الباحث عن عمل، بالتدقيق بطريقة وصول عرض العمل إليه، فالشركات الشرعية ترسل طلبات التوظيف عبر بريد إلكتروني رسمي تابع للشركة، ومكتوب باحترافية كبيرة، وليس من خلال بريد شخصي أو بريد إلكتروني يحتوي على عبارات غريبة.
وترى داغر أن على الفرد الحذر دائماً والنظر إلى عرض العمل، لمعرفة ما إذا كان يحتوي على أي سبب يدعوه للشك، فإذا وصله عرض عمل لا يحتوي على أي تفاصيل مهمة عن الوظيفة، مثل نوعها والمهارات التي تحتاجها وطريقة تأديتها أوغيرها من التفاصيل، فإنه عادة ما يكون عرض العمل هذا وهمي، كما أنه في حال لاحظ الفرد أن التواصل معه يتم بشكل شخصي بعيداً عن الأطر الرسمية، فهذه إشارة تدعو للشك أيضاً.
من جهته، يقول المحلل في شؤون التكنولوجيا جوزيف زغبي، إن المحتالين يستغلون التكنولوجيا الحديثة، لخلق قصص يمكن تصديقها من شأنها إقناع الباحث عن وظيفة، بعرض العمل الذي يقدمونه له، فعمليات الاحتيال في التوظيف عبر الإنترنت، تنجح لأنها تبدو مثل الشيء الحقيقي وتأتي على غفلة، حيث أن الانتشار الواسع الذي شهدته عمليات الاحتيال في التوظيف، كان بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة، وهو ما ترك الكثيرين يتعلقون بأي عرض يتلقونه دون قدرة على التمييز بين فرصة العمل الحقيقية، وفرصة العمل الوهمية.
وبحسب زغبي فإن الاحتيال في التوظيف عبر الإنترنت، لا يختلف كثيراً عن غيره من حالات الاحتيال حول العالم، إذ ترسل العصابة طعماً تجذب به الضحايا، وقد يكون هذا الطعم عبارة عن راتب مغرٍ، أو حتى وظيفة لا تتطلب استقالة الفرد من وظيفته الأساسية، وعندما تلتقط الضحية الطعم تطلب العصابة منها، إرسال دفعة من الأموال من أجل ضمان التوظيف، أو حتى كمبلغ يسترد بعد التوظيف، وبالطبع عندما تصل الأموال إلى العصابة فإنها تختفي وتغلق جميع حساباتها، لافتاً إلى أن هذه العصابات، منتشرة في الكثير من المنصات الالكترونية حول العالم مثل واتساب وفايسبوك وتيليغرام ولينكد إن وغيره.
ويؤكد زغبي أنه لا توجد طريقة مؤكدة للكشف عن عمليات الاحتيال، المتعلقة بفرص العمل عبر الإنترنت، ولكن بجميع الحالات لا ينبغي على الباحثين عن عمل، أن يقوموا بتسليم معلوماتهم الشخصية الحساسة إلا بعد تلقيهم لعرض العمل والتأكد من صحته وقبوله، خصوصاً من قبل خريجي الجامعات الجدد، وهي الفئة الأكثر تعرضاً لعمليات احتيال وظيفية نظراً لعدم خبرتها في هذا الموضوع.