وفي
منتصف نيسان، اجتاحت عاصفة ترابية عنيفة مناطق واسعة من وسط وجنوب البلاد، اعتُبرت الأقسى منذ سنوات.
وزارة الصحة أعلنت تسجيل أكثر من 3700 حالة اختناق، بينما أصيبت المدن بالشلل شبه التام، وأُغلقت مطارات رئيسية بسبب تدني مستوى الرؤية إلى أقل من 50 متراً.
العاصفة التي كان مصدرها
صحراء المملكة العربية السعودية، لوّنت السماء باللون البرتقالي، وفتحت الباب مجددًا أمام ملف التغير المناخي في
العراق، الذي يعيش أزمة متصاعدة تتعلق بالتصحر، وشح المياه، وتراجع الغطاء النباتي.
تحذيرات وحقائق صادمة
ويقول عضو مرصد العراق الأخضر عمر
عبد اللطيف، إن "العواصف الغبارية هذا العام مرشحة للارتفاع بشكل كبير، مرجعًا ذلك إلى قلة الأمطار والتغيرات المناخية الحادة"، متوقعا أن "يشهد العراق ما بين 150 إلى 200 يوم مغبر خلال العام الحالي".
وأضاف في حديث صحفي أن "الخطط الحكومية بخصوص التصدي للمناخ بطيئة جدًا"، مشيرًا إلى أن "
وزارة البيئة لم تتعامل بجدية مع هذا الملف منذ البداية".
وأشار إلى أن "استنزاف المياه الجوفية يعد من أبرز أسباب اشتداد العواصف"، مؤكدًا أن "استخدام هذه المياه للزراعة دون رقابة يهدد الأمن المائي في المستقبل".
تغيرات جذرية في الجنوب
وتشير التقارير إلى أن "درجات الحرارة في محافظات الجنوب، خصوصًا
البصرة، ارتفعت بمعدل 5 درجات خلال السنوات القليلة الماضية".
ويتوقع أن "يستمر هذا الارتفاع، مما سيؤثر بشكل مباشر على الزراعة والحياة العامة في هذه المناطق".
الخبير البيئي رمضان حمزة يرى أن "سوء
إدارة الموارد المائية، واعتماد أساليب زراعية تقليدية تستهلك كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى انعدام الأحزمة
الخضراء، كلها عوامل تسرّع من آثار التغير المناخي في العراق".
المخاطر تتعدى البيئة
من جانبه، يقول المتحدث باسم وزارة البيئة، لؤي المختار، إن "نحو 60% من العواصف الترابية تأتي من خارج العراق"، مستبعدًا أن "يكون هناك عدد كبير من العواصف خلال العام الجاري"، لكنه لم يوضح أسباب ذلك رغم إقرار تقارير رسمية سابقة
بخطورة الوضع.
وكانت وزارة البيئة قد أعلنت في 2022 عن خطة لمواجهة العواصف، من بينها زراعة الأشجار وإنشاء غابات مصدّات للرياح، واستخدام مياه الصرف الصحي لري النباتات. لكن لم تُسجل تطورات حقيقية في تنفيذ هذه الخطة، وفق متابعين.
كارثة تهدد السكان
الصحفي المختص في قضايا المناخ،
مرتضى حميد، قال إن "
محافظة ذي قار فقدت نحو 8000 رأس من الجاموس بسبب الجفاف، فيما اختفت أنواع من الأسماك والطيور من بيئة الأهوار". كما سجلت موجات نزوح بسبب شح المياه، خصوصًا في قضاءي
الناصرية وسوق الشيوخ.
من جهتها، صنفت
الأمم المتحدة العراق خامس أكثر بلدان العالم تأثرًا بالتدهور المناخي.
وذكرت في تقرير لها أن "البلاد فقدت 40% من تدفقات نهري دجلة والفرات خلال العقود الأربعة الماضية، نتيجة للجفاف والسياسات المائية الإقليمية".
أزمة إنسانية وشيكة
وفي تقرير أصدرته منظمة الهجرة الدولية (IOM) أواخر العام الماضي، تم التحذير من تحول أزمة المناخ في العراق إلى أزمة إنسانية، بعد تسجيل نزوح أكثر من 130 ألف شخص بين 2016 و2023 بسبب الجفاف والتدهور البيئي.
المنظمة أشارت إلى أن "10 مناطق في جنوب البلاد أصبحت شبه خالية من سكانها بسبب هذه الظروف".
الحل… لا يزال بعيدًا؟
ويؤكد الخبراء أن "الحلول لا تقتصر فقط على زراعة الأشجار أو إقامة المؤتمرات، بل تحتاج إلى إدارة استراتيجية للمياه، والتوسع في استخدام مياه البزل والصرف الصحي في الزراعة، والبدء بمشاريع حقيقية لاستصلاح الأراضي".
وحذر الخبير حمزة من أن "العراق بدأ بتصفير خزينه الاستراتيجي في السدود، ما يعني أن الصيف المقبل سيكون قاسياً جداً على السكان من حيث المياه ودرجات الحرارة والعواصف الترابية".
السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيتحرك العراق قبل أن تتفاقم الكارثة؟ أم ستبقى الخطط حبراً على ورق؟