ويُحيي العراقيون اليوم مناسبتين، الأولى مؤلمةٌ وحزينةٌ هي ذكرى استشهاد آيَّة الله السيّد محمّد باقر
الصدر وأخته العلويَّة الطاهرة بنت الهدى (قدّس الله سرَّهما)، وأخرى مفرحةٌ سعيدةٌ تمثلتْ بسقوط الطاغية
صدام حسين.
وتوافق اليوم ذكرى استشهاد السيّد الصدر الأول على أيدي نظام البعث المباد، إذ اعتقل الشهيد رغم هيبته ومنزلته الدينيَّة، ليس في
العراق وحسب، وإنما في العالمين العربيِّ والإسلاميِّ، وتمَّتْ تصفيته بأمرٍ من رئيس النظام المجرم، في القضيَّة التي لم تستغرقْ سوى خمسة أيّام، فقد أعتقل الشهيد في (5 / 4 / 1980)، واستشهد يوم (9 / 4 / 1980).
كما يستذكر العراقيون في مثل هذا اليوم مشاهد سقوط الصنم في قلب العاصمة
بغداد بالتاسع من نيسان (2003) بعد حكمٍ اتّسم بالحديد والنار.
سيرته ومؤلفاته
ولد السيد
محمد باقر الصدر بمدينة
الكاظمية في (1 آذار 1935 الموافق 25 ذو القعدة 1353هـ - 9 نيسان 1980 م الموافق 23 جمادي الأول 1400هـ)، ووالده هو السيد حيدر الصدر، ووالدته هي كريمة الشيخ
عبد الحسين آل
ياسين أخت المرجع الديني المحقق الشيخ محمد رضا آل ياسين، وينتمي السيد الشهيد إلى اسرة الصدر العلمية الكبيرة التي برز منها عدة شخصيات دينية منهم شقيقته بنت الهدى وابن عمه السيد محمد صادق الصدر والسيد موسى الصدر وشقيقه
إسماعيل الصدر.
شرع بحياته الدراسية في
منتدى النشر في الكاظمية، فبدت عليه امارات النبوغ والعبقرية مبكراً، وابتدأ دراسته في السنة الخامسة من عمرهِ، وأنهى الدراسة الابتدائية في سن الحادية عشرة من عمره، ثم اتجه إلى الدراسات الدينية في الحوزة العلمية؛ حيث أكمل دراسة السطوح بفترة قياسية.
أخذ بتعلم ودراسة الكتب الدراسية وحده ومن دون أستاذ فأكمل معظمها بهذه الطريقة، ودرس موسوعة "الأسفار" بطريقة خاصة كان قد اشترطها على أستاذه في الفلسفة الشيخ صدر الباوكوبي، بحيث يقرأ هو المطالب ويسأل أستاذه الإشكاليات التي يواجهها فقط، وقد أكمل “الأسفار” بهذه الطريقة في مدة ستة أشهر. في سن الحادية عشرة من عمره، بدأ بدراسة المنطق وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، حيث كان يطرح بعض الإشكالات على الكتب المنطقية، في أوائل الثانية عشرة من عمره، شرع بدراسة كتاب “معالم الأصول” عند أخيه السيد إسماعيل الصدر.
قبل بلوغ الرابعة عشرة من عمره، هاجر إلى
النجف الأشرف سنة 1367 هـ فحضر دروس البحث الخارج لنخبة من أساتذتها كخاله الشيخ محمد رضا آل ياسين، والسيد أبو القاسم الخوئي، وبرز بكونه علماً من علماء الحوزة في وقت مبكر، وحصل على الاجتهاد في سن الثامنة عشرة، فأصبح أحد الأعلام الكبار في الحوزة العلمية وارتفع اسمه في الأوساط العلمية، كان معدل مطالعته العلمية في اليوم الواحد ست عشرة ساعة خلال سنوات تحصيله الأولى على طوال سبع عشرة أو ثماني عشرة سنة، بدأ في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمسة وعشرون عاماً.
لم يكتف الشهيد الصدر في الكتابة بالقضايا الدينية البحتة فقط، كالأصول والفقه والتفسير، بل اقتحم مجالات أخرى، فكان البيان طوع بنانه، فكتب "اقتصادنا" و"فلسفتنا" و"البنك اللاربوي في
الإسلام" و"الأسس المنطقية للاستقراء" الذي يعد واحدا من أهم كتبه ويقترح فيه السيد الصدر صياغة جديدة لنظرية المعرفة البشرية على أساس قاعدة بديلة لعملية الاستقراء.
مواقفه من البعث
وقف الشهيد الصدر موقفاً مشرفاً في دعم مرجعية زعيم الطائفة السيد محسن
الحكيم، حين حاولت سلطة البعث في عام (1969) توجيه ضربة قاتلة للمرجعية من خلال توجيه تهمة التجسّس لنجله السيّد مهدي الحكيم، فحشد الشهيد الصدر الجماهير في مرقد أمير المؤمنين لإظهار قوة التفاف الجماهير حول مرجعيتها الدينية، كما كانت له مواقف مماثلة بالوقوف بوجه الإجرام البعثي في أعقاب إعدام شهداء "قبضة الهدى" الشيخ عارف البصري ورفاقه، وتأييد
الثورة الإسلامية في
إيران، وتصديه للإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث المجرم.
جرى اعتقال السيد الشهيد من قبل النظام عدة مرات، وفي سنة 1979 وبعد أن أمضى عشرة أشهر في الإقامة الجبرية، تمَّ اعتقاله في شهر نيسان من سنة 1980، وبعد أيام من الاعتقال والتعذيب الشديد تم إعدامه مع أخته العلوية الطاهرة بنت الهدى وكان عمره الشريف 47 سنة.