ورغم أن هذه الظاهرة ليست حصرية على العراق، حيث تتعرض العديد من العواصم والمدن العالمية لمشاكل مماثلة عند هطول أمطار غزيرة، فإن
الحكومة العراقية كثّفت جهودها بشكل ملحوظ لمواجهة الأزمة، ونجحت في سحب المياه بالكامل وتجفيف الشوارع وإعادة الأمور إلى طبيعتها في وقت قياسي.
الأمطار والتحديات التي واجهتها المحافظات
وتعرضت محافظات مثل
بغداد والبصرة وذي قار ونينوى لموجة أمطار غزيرة تجاوزت المعدلات الموسمية، ما تسبب في تجمع كميات كبيرة من المياه في الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية، حيث ان معدل هطول الأمطار بلغت ذروتها خلال ساعتين بمعدل (72) ملم وتمثل اضعاف سعة شبكة التصريف التصميمية للعاصمة البالغة (24) ملم، رغم عمل جميع محطات الصرف الصحي والجهد الآلي والبشري بوتيرة عالية للإسراع بتصريف مياه الأمطار خلال ساعات قليلة.
اضافة الى انسداد بعض القنوات المائية نتيجة النفايات والتراكمات.
تجارب عالمية مشابهة
ولم يكن
العراق وحده في مواجهة هذه التحديات، فحتى بعض المدن العالمية المتقدمة تعاني من غرق الشوارع بفعل الأمطار، ومنها:
لندن
وتعاني بعض مناطق العاصمة البريطانية من فيضانات بسبب تهالك شبكات الصرف الصحي القديمة.
ففي ايلول عام 2024 شهدت مناطق عديدة في بريطانيا ومنها لندن سقوط شديد للأمطار فيما أغرقت الشوارع وغمرت المياه المنازل وتوقفت السيارات عن حركة السير، وذلك حسبما نشرت وكالة الأنباء الأوروبية صورا.
كما استعدت العديد من المناطق في ذلك الوقت للفيضانات على الرغم من توقف الأمطار الغزيرة.
كما شهدت أجزاء من وسط وجنوب إنجلترا في غضون ساعات أمطارًا تعادل ما تهطل في شهر كامل، مما تسبب في إغلاق الطرق والمدارس وإحداث فوضى في وسائل النقل بين الركاب.
باريس
وتعرضت العاصمة الفرنسية في اذار العام الماضي لفيضانات عطّلت حركة المترو والمواصلات.
حيث شهدت حالة من التقلبات الجوية من رياح شديدة مسحوبة بالأمطار والفيضانات العارمة، ما ادى الى تعرض المدينة لفيضانات غمرت المياه الطرقات الرئيسية بعد ارتفاع منسوب مياه نهر السين الى أعلى مستوى.
وادى ذلك الى إغلاق الجسور المطلة على النهر والطرقات الرئيسية في المدينة تجنبا لحدوث أي حوادث بسب المياه الكثيفة التي غمرت الشوارع
نيويورك
وأدت أمطار شديدة الغزارة هطلت في ايلول 2023 في شمال شرقي الولايات المتحدة إلى غمر طرق في نيويورك وتعطيل جزئي لحركة مترو الأنفاق والمطارات.
حيث اعلنت حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوتشول عبر منصة إكس "حالة الطوارئ" في نيويورك ولونغ آيلاند شرق المدينة الكبرى، وفي وادي هدسون، بسبب "هطول شديد للأمطار".
كما أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام محلية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي سيارات تسير بصعوبة على طرق غمرتها المياه، وشوارع مسدودة بالكامل بسبب ارتفاع المياه إلى مستوى نوافذ السيارات.
وغمرت المياه جزئيًا محطات لمترو الأنفاق العملاقة في المدينة الكبرى، وتم إغلاق العديد من الخطوط المركزية في بروكلين.
كما أعلن مطار لاغارديا أن جميع وسائل الوصول إلى المحطة إيه "مغلقة حاليًا".
وتأخذ سلطات نيويورك هذه الفيضانات على محمل الجد، بعدما تسبب الإعصار إيدا في مقتل 13 شخصا في أيلول 2021 (وعشرات آخرين في المنطقة)، معظمهم علقوا في أقبية منازل جرى تحويلها إلى شقق في المدينة الضخمة التي تشهد أزمة سكن حادة.
عمان
وشهدت منطقة الخليج، في نيسان 2024، تساقطت أمطار غزيرة، مما تسبب في فيضانات في بعض الدول ودفع إلى العمل والدراسة من بُعد.
وارتفعت حصيلة القتلى من جراء السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا، معظمهم أطفال.
دبي وابو ظبي
وغرقت طرق رئيسية في الإمارات، بمياه الأمطار في دبي والعاصمة أبوظبي وتقطعت السبل بالعديد من السيارات، كما أُلغي صباحا عدد من الرحلات في دبي.
وأعلنت شركة "مطارات دبي"، على حسابها على منصة "إكس"، أنه "تم إلغاء تسع رحلات مغادرة وثماني رحلات قادمة هذا الصباح، وتحويل ثلاث رحلات إلى مطارات أخرى”.
مدن سعودية تغرق
وشهدت مدينة جدة في ايلول 2024، هطول كميات كبيرة من الأمطار في معظم الأحياء، وسط استنفار معظم الأجهزة المعنية، كالدفاع المدني والمرور وأمانة محافظة جدة.
الارجنتين
ولقي 10 أشخاص منذ فجر أمس الجمعة حتفهم جراء أمطار غزيرة هطلت منذ فجر أمس الجمعة على مدينة باهيا بلانكا الساحلية الواقعة على بعد 600 كلم جنوب بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين.
وقالت السلطات المحلية، إن أكثر من 300 ملليمتر من الأمطار هطلت في حوالى 6 ساعات، مما أدى إلى إغراق العديد من الشوارع وإجبار أكثر من ألف شخص على الإخلاء في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالى 350 ألف نسمة.
وقالت السلطة المحلية في بيان إن 5 من الضحايا الستة لقوا حتفهم عندما علقوا في المياه على الطريق العام، موضحة أنها لا تستبعد احتمال وجود عدد أكبر من الضحايا نظرا لحجم الكارثة المناخية.
وبحلول منتصف نهار الجمعة، أفادت بأن "جزءا كبيرا من المدينة كان تحت المياه" بعد "7 ساعات من الأمطار الغزيرة المتواصلة"، والتي انحسرت بحلول الظهر.
في غضون ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة مانويل أدورني إن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي ألغى أنشطته المقررة في مقاطعة ميندوزا اليوم السبت. ولم يذكر أدورني ما إذا كان ميلي سيسافر إلى المدينة أم لا.
وقال وزير الاقتصاد لويس كابوتو على منصة "إكس" إن الحكومة وافقت على تقديم مساعدات مالية بقيمة 10 مليارات بيزو (9.2 مليون دولار) لمنطقة باهيا بلانكا.
جهود
الحكومة العراقية في احتواء الأزمة
بمجرد بدء هطول الأمطار وظهور التجمعات المائية في الشوارع، استنفرت
الحكومة العراقية جميع دوائرها الخدمية، وعلى رأسها:
أمانة
بغداد ودوائر البلديات في المحافظات، حيث نشرت فرقها في جميع المناطق المتضررة.
فرق الدفاع المدني، التي تدخلت بسرعة لمعالجة الأضرار وسحب المياه من المناطق الحيوية.
وزارة الموارد المائية، التي ساهمت في تصريف المياه الزائدة عبر القنوات والأنهر.
آليات سحب المياه والصهاريج، التي تم نشرها بشكل واسع لتجفيف الشوارع.
جهد القوات الامنية من العمليات المشتركة والشرطة الاتحادية والمرور بسحب مياه الامطار.
وبفضل هذه الجهود المتواصلة، تمكنت السلطات من إزالة المياه خلال وقت قياسي، وإعادة الحياة إلى طبيعتها دون تسجيل خسائر كبيرة.
ووفقا لبيان المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء والذي تلقته
السومرية نيوز، فقد "وجّه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، شكره وتقديره للضبّاط والمنتسبين من مديرية المرور العامة، الذين قدّموا المساعدة وعملوا على إنقاذ المواطنين خلال الظروف الجوية الاستثنائية، وموجة الأمطار التي شهدتها
بغداد ومدن وسط
العراق ليلة أمس".
ووجه السوداني "بتكريمهم لتفانيهم في أداء الواجب بكل الأوقات ومختلف الظروف، ولكونهم يمثلون قدوة يحتذي بها كلّ المكلفين بالخدمة العامة.
ولم يقتصر سحب المياه في
بغداد فقط، فقد بادرت عدد من المحافظات وبفضل توجيهات رئيس الوزراء بسحب المياه في وقت قياسي ففي كربلاء باعتبارها مدينة تشهد حركة دينية مستمرة، استجابت بلدية المحافظة بسرعة لموجة الأمطار من خلال تشغيل محطات الصرف الصحي بكامل طاقتها، إضافة إلى استخدام مضخات إضافية لتصريف المياه من الأحياء والأسواق المحيطة بالعتبات المقدسة وباقي شوارع المحافظة
وفي محافظة الديوانية، سارعت مديرية بلدية المحافظة إلى إرسال فرق مختصة إلى المناطق الأكثر تأثرًا، حيث تم تشغيل المضخات المتنقلة لسحب المياه من الأحياء السكنية. كما تم توفير صهاريج إضافية لضمان عدم حدوث ركود للمياه في المناطق المنخفضة.
وشهدت محافظة واسط، لا سيما في مناطق مثل الكوت والنعمانية، استجابة عاجلة من قبل الجهات البلدية، حيث تم تفعيل خطط الطوارئ لفتح القنوات المغلقة، بالإضافة إلى نشر آليات ثقيلة لشفط المياه من الشوارع الرئيسة والأسواق التجارية.
كما بذلت الفرق الخدمية في محافظة بابل، جهودًا واسعة لضمان عدم تأثر المناطق الحيوية في الحلة وباقي الأقضية.
وتم تعزيز عمل محطات الصرف الصحي لضمان استيعاب المياه المتدفقة، مع نشر فرق ميدانية لمتابعة تصريف المياه في الأزقة الداخلية والمناطق الشعبية.
وعلى الرغم من أن ظاهرة غرق الشوارع بفعل الأمطار ليست جديدة ولا تقتصر على
العراق فقط، فإن التحدي الرئيسي يكمن في تطوير البنية التحتية وتعزيز شبكات الصرف الصحي لمنع تكرار الأزمة مستقبلًا. وقد أظهرت
الحكومة العراقية قدرة كبيرة على التعامل مع الأزمة بكفاءة، وهو ما يعكس أهمية التخطيط السليم والاستجابة السريعة لحالات الطوارئ.