يعد القائدين الشهيدين من اهم القادة الذين بادروا وعملوا على تأدية أدوار حاسمة ومحورية في الحرب ضد الإرهاب، وضد القوى الخارجية التي كانت تسعى لفرض مشاريعها وأجنداتها التوسعية وتمرير مؤامراتها، عبر مختلف السبل والأدوات والوسائل، ولم يقتصر نطاق عملهما ونشاطهما على
العراق فقط، بل امتد حيثما كان للإرهاب التكفيري وجود وموطئ قدم، وكان يشكل خطرًا وتهديدًا للشعوب والمجتمعات الآمنة والمسالمة، كما هو الحال في لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران وأفغانستان، وغيرها.
واسس الشهيدين، منهجاً متطوراً وعملياً للمقاومة، كان من أبرز ثمارها القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي وإلحاق الهزيمة به في
العراق بغضون ثلاثة أعوام ونصف عام، فيما كان الساسة والقادة العسكريون والخبراء الأميركيون والغربيون يقولون إن القضاء على "داعش" يتطلب ثلاثين عاماً!.
ومثلما كانت صدمة فقدان
قائد ميداني كبير في الحشد
الشعبي كأبي مهدي المهندس، ثقيلة وشديدة الوطأة على العراقيين، فإنَّ فقدان القائد قاسم سليماني شكّل صدمة مماثلة للإيرانيين، وإن اختلطت وامتزجت مشاعر فقدانهما بين العراقيين والإيرانيين.
من هو "المهندس"
ولد جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، الملقب باسم أبو مهدي المهندس، ويسمى في إيران جمال إبراهيمي، عام 1954 في البصرة، وهو سياسي وعسكري عراقي، متزوج من سيدة إيرانية.
دخل عام 1973 الجامعة التكنولوجية قسم الهندسة المدنية، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1977.
عمل مهندسا في المنشأة التي نسب إليها وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية ودرس الدكتوراه في الاختصاص نفسه، كما درس مقدمات الحوزة العلمية للسيد محسن الحكيم في البصرة.
المسيرة السياسية
انضم إلى حزب الدعوة الإسلامية وهو في الدراسة الثانوية، واضطر إلى الخروج من
العراق عام 1980.
عام 1985 أصبح عضواً في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ومارس عمله
السياسي في المجلس والعسكري في فيلق بدر، ومن ثم قائداً لذلك الفيلق حتى أواخر التسعينيات.
بعد تشكل قوات الحشد
الشعبي تم اختيار المهندس نائبا لقائدها، وقد تميز بمشاركته الميدانية للقوات في المعارك، وأصبح له دور بارز وأساسي في قيادة الحشد وقيادة العمليات العسكرية ضد التنظيم الإرهابي "داعش"
أسس كتائب حزب الله العراقية 2007، وله تاريخ طويل من العمل مع المقاومة وتأسيسها وتدريبها، مما جعله يعمل مستشارا لقاسم سليماني
قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وكان من بين الشخصيات العراقية الأكثر نشاطا.
من هو "سليماني"
ضابط عسكري إيراني ولد عام 1957، شارك في الثورة الإسلامية الإيرانية، وساهم في مواجهة الثورات الداخلية الكردية، وقاد لواء "ثار الله 41" في الحرب العراقية الإيرانية.
شغل منصب
قائد "فيلق القدس" الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وتولى مسؤولية السياسة الخارجية في عدد من الدول الإقليمية، وأشرف على ملفات ساخنة لبلدان تأجج فيها الصراع، مثل
العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن وأفغانستان.
حارب عصابات "داعش"، وبرز اسمه في الصراع مع امريكا التي اغتالته قواتها عام 2020 متذرعة بأنه خطط للقيام بعمليات هجومية ضدها.
المولد والنشأة
ولد قاسم حسن سليماني يوم 11 مارس/آذار 1957 في قرية قناة ملك بقضاء رابور في محافظة كرمان جنوبي إيران، وتنحدر أصول عائلته من القبائل البدوية لعشيرة سليماني التي قطنت في محافظة فارس قبل انتقالها إلى أفغانستان والهند في عهد شاه إيران نادر أفشار، لتعود وتستقر لاحقا في كرمان.
ينتمي سليماني إلى عائلة ريفية فقيرة عملت في الزراعة، وقد أجبرته الظروف المادية الصعبة على السفر إلى كرمان بعد إتمامه المرحلة الابتدائية للعمل في مجال البناء لمساعدة والده على سداد ديونه، ولم يتمكن من إكمال تعليمه، فتوقف بعد المرحلة الثانوية والتحق بسوق العمل وهو في الـ18 من عمره مقاولا في مؤسسة مياه كرمان.
المسار العسكري
انخرط سليماني في الثورة الإيرانية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1979، وفي مطلع عام 1980 عقب قيام الجمهورية التحق بـ"حرس الثورة الإسلامية"، وأولى المهام التي أوكلت إليه مواجهة حركة التمرد الكردية التي تأججت عقب قيام الجمهورية واستمرت حتى عام 1983، فدرّب تشكيلات عسكرية ورافقها إلى مناطق العمليات، كما تولى لفترة قيادة جيش محافظة أذربيجان الغربية ذات الأغلبية الكردية في شمال غربي إيران.
شارك في الحرب الإيرانية العراقية التي وقعت بين العامين 1980 و1988 وهو في العشرينيات من عمره، ودرّب كتائب عدة في كرمان تم إرسالها إلى الجبهات، ثم عيّنه
قائد الحرس الثوري اللواء محسن رضائي عام 1982 قائدا للواء "ثأر الله 41" الذي ضم عناصر من محافظات كرمان وسيستان وبلوشستان وهرمزكان.
قاد سليماني لواء "ثأر الله" في الحرب على العراق، وهو اللواء الذي أحرز "تميزا" في مهمات الاستطلاع خلف الخطوط العراقية، ونفذ عمليات عسكرية كبرى مثل "الفجر 8″ و"كربلاء 4" و"كربلاء 5″، واقتحم خلالها خطوط الجبهة العراقية، وبرز في تلك الآونة قائدا ناجحا في الميدان.
وعلى إثر توقف الحرب الإيرانية العراقية عام 1988 رُقي إلى رتبة عميد، وعُيّن قائدا للحرس الثوري في محافظة كرمان، فتولى مهام أمنية على الحدود مع أفغانستان تتضمن مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود إلى إيران، وسرعان ما أصبح من أهم القادة العسكريين في المناطق الحدودية.
قائد "فيلق القدس"
عام 1998 عيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي للجمهورية الإسلامية الإيرانية قائدا لـ"فيلق القدس" الذي يعد الفيلق النخبوي للحرس الثوري الإيراني، وأوسد إليه مسؤولية العلاقات الخارجية في عدد من الدول الإقليمية.
ومنذ تسلمه قيادة "فيلق القدس" طوره وأصبح العقل المدبر للأنشطة العسكرية الإيرانية في الخارج، ولعب دورا رئيسيا في توسيع نفوذ إيران في الشرق الأوسط عبر تقديم المال والسلاح والتدريب للجماعات المسلحة الموالية، ودعم الحلفاء في المنطقة، والمشاركة الفعلية في الجبهات.
وأبلغ سليماني قادة القوات المسلحة الإيرانية قبل اغتياله بأشهر قليلة أنه أنشأ محورا في المنطقة من 6 جيوش، يبدأ من الحدود الإيرانية ويصل إلى شواطئ البحر المتوسط، وتتمركز هذه الجيوش والحشود الشعبية في مساحة تصل إلى أكثر من 1500 كيلومتر.
بطل قومي
لم يغب سليماني عن المشهد الداخلي الإيراني، وشارك في الأحداث المهمة بالبلاد، وتدخل حينما تطلب الأمر، وقد كان أحد قادة الحرس الثوري الذين دفعوا السلطات الإيرانية إلى التصدي لثورة الطلاب عام 1999، وشاركوا في إخمادها.
وعُرف سليماني "مقاتلا ملتزما" بالفكر الأيديولوجي للنظام الإيراني، فحاز على ثقة القيادات العليا، وتنامى نفوذه في الداخل، واستطاع تعيين مبعوثين في السفارات من كوادر الحرس الثوري الإيراني، كما حاز على مكانة قريبة من المرشد الأعلى الذي أثنى على جهوده ويسميه "الشهيد الحي".
وعُدّ سليماني في الداخل الإيراني "بطلا قوميا" يدافع عن سيادة البلاد في الخارج، وأصبح مادة رائجة في وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة وحظي بشعبية واسعة، حتى أصبح ينظر إليه على أنه ثاني أقوى شخصية في إيران بعد السيد الخامنئي.
الاغتيال
اغتيل قاسم سليماني يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020 باستهداف سيارته في غارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي، وصرحت السلطات الأميركية بأن الاستهداف هو عملية وقائية الهدف منها حماية الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين، وكانت مصممة على إيقاف سليماني بسبب مواقفه الشجاعة ودعمه للمقاومة.
وقد شيع جثمانه الملايين، ونقل بين بغداد وكربلاء والنجف، ثم إلى مشهد والأهواز في إيران، حيث أقيمت عليه صلاة الجنازة في طهران بإمامة علي خامنئي، ودفن في كرمان يوم 8 يناير/كانون الثاني 2020.