وأدت هذه الأزمة إلى تأثيرات واسعة على القطاعات الزراعية والصناعية، وكذلك على توفر المياه الصالحة للشرب، مما أثار مخاوف حقيقية بشأن
الأمن المائي في
العراق.
وفي ظل انخفاض مناسيب المياه ازدادت الحاجة إلى اتخاذ خطوات عاجلة وحلول مستدامة لإدارة الموارد المائية، بما يضمن تحقيق التوازن بين تلبية احتياجات السكان والحفاظ على هذه الموارد الحيوية للأجيال القادمة.
وذكر الخبير في الشأن الزراعي
عادل المختار، أن "أزمة المياه في
العراق بدأت في عام 2018، عند اكتمال بناء سد "إليسو" التركي، سيما وأن أنقرة باشرت بعملية ملء هذا السد، ماجعل الأزمة تشتد في
العراق حينها، لأن الإطلاقات المائية من تركيا للعراق قبل إنشاء
السد التركي، كانت تصل إلى نحو 70 مليار متر مكعب سنوياً".
أما حالياً لاتتجاوز هذه الإطلاقات 40 مليار متر مكعب سنوياً، أي نحو 300 متر معكب في الثانية ،سيما على حوض نهر دجلة، كما أن وضع نهر الفرات متدهور منذ سنوات عديدة ويشهد حالة خطيرة تتعلق بنقص الإطلاقات بشكل ملحوظ.
ويوضح الخبير الزراعي أن "الخزين المائي في نهاية شتاء العام الماضي قد وصل إلى 21 مليار متر مكعب، وحالياً يبلغ الخزين 13 مليار متر مكعب بسبب قلة الإيرادات المائية من دول المنبع، ما يعني أن
العراق اضطر إلى دفع إطلاقات من خزينه الاستراتيجي لتوفير المياه لقطاع الزراعة وهذا تطور خطير، وفي صيف عام 2023 وصل الخزين المائي إلى 5 مليار متر مكعب وهو أسوء خزين في تاريخ العراق".
ويُعتبر الخزين الحالي 13 مليار متر مكعب متوسطاً، لكن إذا ماشهد
العراق نقص في الأمطار هذا العام ستزداد أزمة المياه لان وزارة الموارد المائية ستضطر إلى دفع 200 مليون متر مكعب في اليوم من خزينها حتى توازن احتياجات القطاع الزراعي وهذا سينعكس سلباً على الخزين إن استمر تحجيم الإطلاقات المائية من تركيا.
وتعود أزمة المياه في
العراق إلى أسباب أساسية تتضمن تأثيرات التغيّر المناخي الذي خلف أزمة دولية تعصف بدول العالم، والعراق من الدول التي تشهد قلة في الأمطار، لذلك يُعد
العراق خامس أكبر دولة متضررة من الجفاف في العالم.
إضافة إلى انخفاض الإيرادات المائية من دول المنبع إلى أقل من 300 متر مكعب في الثانية بينما كانت سابقاً تزيد عن 600 متر مكعب في الثانية، كما أن سوء
إدارة الموارد المائية يعتبر أحد أهم أسباب الأزمة التي تشهدها البلاد، بسبب هفوات في السياسة المائية والزراعية.
ويرافق هذه الأسباب، عملية التوسع الزراعي غير المنتظم، وارتفاع مستوى تلوث المياه بسبب تصريف النفايات الصناعية إلى الأنهار، ما قلّل صلاحيتها للاستخدام، فضلاً عن قطع إيران نحو 42 نهراً ورافداً تساهم بنحو 12 بالمئة من إطلاقات
العراق المائية، وبات
العراق يعتمد بشكل كبير على الأمطار في الزراعة.
ويؤكد المختار أنه "خلال العام الماضي، أنتج
العراق أكثر من 6 مليون طن من الحنطة، إذ وصلت المساحة الزراعية إلى نحو 13 مليون دونم وهذه نتيجة جيدة، والعام الذي سبقه كان الإنتاج أكثر من 5 مليون طن من الحنطة بذات المساحة، وبرغم هذا فإن البلاد تواجه خطراً داهما لا يستهان به، إذ وصل التصحر لمراحل عالية، بلغت نحو 50 في المئة من الأراضي الزراعية في العراق، وهذا الأمر يتطلب وقفة جادة لتدارك هذه الأزمة وفقاً لحديثه".
وحذر الخبير المائي تحسين الموسوي، من "أن
العراق يذهب إلى منزلق خطير نتيجة شح المياه، وسط غياب الإدراك من الفاعل السياسي بخطورة هذه الأزمة، مع مواصلة المضي بالحلول الترقيعية التي اعتُمدت كمعالجات استراتيجية، ما أسهم بتفاقم أزمة المياه".
وعلى الرغم من تدهور الوضع المائي، إلا أن
العراق لم يتوصل حتى الآن إلى اتفاقية تلزم دول المشاركة المائية بإطلاق حصصه المائية، بسبب ضعف المفاوض
العراقي والأزمات السياسية التي شهدها البلد.
ويفصل الموسوي "تداعيات أزمة شح المياه في العراق، بأنها تسببت بنقص حاد في المياه الصالحة للشرب".
كما دفعت الأزمة إلى ارتفاع نسبة التلوث بشكل كبير، وربما سيشهد
العراق كوارث بيئية مستمرة، تكلف معالجتها مبالغ طائلة، فيما يضيف أن نسبة المساحات الصالحة للزراعة في
العراق تقدر بنحو 40 مليون دونم، والمساحة المستثمرة منها تبلغ مابين " 18 - 20 " مليون دونم.
ودفع شح المياه إلى "تقليصها لنحو مليوني دونم فقط تُزرع حالياً، إضافة إلى جفاف منطقة الأهوار، وازدياد مساحات التصحر سيما وأن الأراضي المتصحرة في
العراق بلغت نحو 70 في المئة وفقاً لتقارير رسمية حسب قوله، وأيضاً جفاف البحيرات وتضرر روافد النهر، وازدياد نسبة ملوحة المياه، فضلاً عن نفوق الأسماك".
وأخطر هذه التداعيات هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة، وهذا يؤثر على السلم المجتمعي نتيجة الضغط على البنية التحتية، ومزاحمة سكان المدن على فرص العمل.
ومثال ذلك منطقة الأهوار جنوب العراق، التي كانت تسكنها قرابة 10 الآف عائلة، هجرتها 6 آلاف عائلة إلى مختلف مدن البلاد، وهذه الأرقام في تزايد نتيجة ما واجهته من مشاكل أكبرها شح المياه.
ويضيف الموسوي أن "استهلاك الزراعة يصل لنحو 85 في المئة من المياه، بسبب طرق الري السيحي، وتستهلك الصناعة 5 في المئة والعمليات النفطية أيضاً 5 في المئة، أما "احتياجات المواطنين" فتبلغ قرابة 5 بالمئة".
وأدت تغيّرات المناخ إلى ارتفاع كبير في درجات الحرارة، مايخلف نسبة تبخر تقدر بأكثر من 5 مليار متر مكعب من الخزين المائي.
وبشأن الحلول المقترحة، يقول الموسوي أن "المعالجات ينبغي لها أن تأخذ جانبين بعين الاعتبار، خارجي وداخلي".
وفيما يخص الجانب الأول، على
العراق أن يكثف مفاوضاته، ويعززها بمفاوضين متمرسين مع دول المنبع ويعطي ذلك أولوية عالية، ويستثمر كل نقاط القوة لديه كملفي التجارة والأمن، سيما مع تركيا التي تزود
العراق بنسبة كبيرة من الإيرادات المائية، ويتحرك صوب المجتمع الدولي في هذا الإطار.
أما الجانب الداخلي فيتطلب الأمر إعادة النظر بجدية في السياسة المائية والزراعية، لكون إستهلاك المياه يفوق الإيرادات، وإعداد خطط زراعية حسب كمية الإيرادات المائية، وتحلية مياه البحر وتنقية المياه العادمة، فضلاً عن رفع الملوثات وإعادة تدوير المياه. كما أن هناك حاجة ملحة لاستخدام التقنيات الحديثة في الري وتأسيس مجلس وطني لإدارة المياه ويكون الملف بيد رئيس الوزراء حصراً.
وأكد رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق، وليد الكريطي، أن "الدعم الحكومي الموجه لقطاع الزراعة ضعيف جداً، ولا يتناسب مع حجم أهميته الاستراتيجية، ما يؤدي إلى إلحاق خسائر مالية كبيرة ترهق مئات الفلاحين، وتضطرهم للهجرة إلى المدن بحثاً عن فرص عمل بديلة".
فيما يواجه المزارعون الذين يهاجرون إلى المدينة تحديات جديدة، أبرزها صعوبة إيجاد فرص عمل مناسبة لهم، فضلاً عن غلاء الإيجارات وارتفاع أسعار العقارات.
كما أشار الكريطي إلى أن "مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، التي تعتمد على الري التقليدي والري السيحي، مثل بساتين النخيل والحمضيات، قد خرجت من الخطة الزراعية بسبب غياب الاهتمام الحكومي".
وأضاف الكريطي أن "الجفاف أصبح يمثل تحدياً كبيراً، حيث وصلت نسبة الجفاف إلى حوالي 40 في المئة، نتيجة قلة الدعم الحكومي".
ويشير إلى أبرز التحديات التي يواجهها الفلاحون، مثل غياب الدعم الحكومي بتوفير المعدات الحديثة كالآلات الزراعية، " الحاصدات والساحبات"، إضافة إلى عدم توفر قروض ميسرة للمزارعين، تكون متاحة للجميع بسبب التعقيدات الإدارية، وغياب الدعم في مجال الري المتطور، الذي يوفر استهلاك المياه وكذلك النقص في توفير الأسمدة والبذور المدعومة من الدولة، إذ ماتزال أزمة شح المياه بدون حلول جذرية.