ومع ذلك، كما تقول الصحيفة في تقرير، فإن العودة بالنسبة للعائلات العائدة كان لحظة ارتياح، فالرحلة التي لم تأخذ سوى أميال اقتضت العائلات الانتظار لسنوات. فالوضع في
مخيم الهول بسوريا كان جهنميا: قتل مستمر أثار الخوف المستمر. وبعد سنوات على هزيمة
داعش الارهابي، حوّل أتباعه المخيم إلى مسرح للعنف والسيطرة.
ودعت العودة إلى بلادها، مع أن اليافطة أمام المخيم تشير إلى أنه مركز تأهيل، حدير خالد، 34 عاما، للبكاء: "أن تكون في بلدك يعني كل شيء"، وكانت تتحدث مشيرة إلى أطفالها الذين كانوا يتضاحكون في زاوية الخيمة: "الوضع كان سيئا لهم" و"لم نستطع التنفس".
وتشير الصحيفة إلى أن
مخيم الهول، الذي يعتبر من المشاكل العالقة بعد هزيمة "داعش"، وسجن مفتوح يعيش فيه عشرات الألاف من الأشخاص، معظمهم نساء وأطفال من جنسيات مختلفة، لدى الكثيرين منهم علاقات مع داعش"، ولا تحفل حكوماتهم بهم أو تعمل على إعادتهم. وتعلق الصحيفة بأن صعود وسقوط "داعش" في
العراق ترك جراحا عميقة، والدم لم يجف بعد. والسؤال الحاضر في المناطق التي حكمها المتشددون في السابق إن كان سيتم بناء العائلات التي مزقت من جديد، وإن كانت ستقبل بعودة جيرانها السابقين من المخيم.
وعلى خلاف بقية الدول الأخرى، يحاول
العراق جلب مواطنيه من الهول. ووصف دبلوماسيون غربيون من الدول التي رفضت نقل مواطنيها بأن الهول هو جرح متقيح في ضمير العالم. وقال مسؤول: "حاولت الحكومات نفض أيديها من هؤلاء الناس".
ومنذ أيار/ مايو 2021، تمت إعادة حوالي 2.500
عراقي من الهول الذي يسجن فيه حوالي 30.000 من 55.000 سجين، ويتوقع
عودة المزيد. ومع أن المخيمات الكثيرة للنازحين في داخل العراق، التي أصبحت مهلهلة بسبب غياب التمويل، والتي أغلق معظمها العام الماضي، إلا أن المخيم الذي أنشئ لاستيعاب العائدين من الهول، منظم ويدار بطريقة جيدة. ورسم البعض لوحات جميلة على الجدار الخارجي للخيام.
وهناك معالجون نفسيون لمن ظهرت عليهم كدمات نفسية. وعندما زار فريق الصحيفة
مخيم جدة، قال العائدون إنهم في
مخيم الهول منذ عام 2017، ما يعني أنهم هربوا من "الخلافة" قبل سنوات من المعركة الأخيرة في باغوز. ولم يكن للنساء أي رأي في طريقة إدارة العائلة أو القرارات المتعلقة بها. ففي بعض الحالات انضم الزوج أو الأب للجماعة كمقاتل. وفي حالات أخرى أجبر رجل في العائلة للعمل في وظائف بالبلدية
ويقول الأخصائيون النفسيون الذين زاروا المخيم إن هناك كدمات نفسية حادة ظهرت بين الأطفال. وظهور القلق والعزلة، والمعاناة من التبول اللاإرادي نظرا للضغط أو الخوف أمور عادية. وعادة ما تجعلهم الأصوات الخفيفة يقفزون، ويدور في أذهان بعضهم أفكار انتحار.
وقال بعض المقيمين السابقين في الهول إنهم منعوا أبناءهم وبناتهم من اللعب خارج الخيمة؛ خوفا من العنف أو غسل الأدمغة. ولم يخرجوا للعب في الهواء الطلق إلا بعد عودتهم إلى
العراق. وقالت عالية إبراهيم، 65 عاما، من تلعفر: "لقد استغرق منهم بعض الوقت لكي يشعروا بأنهم قادرون على عمل هذا".
وكانت حفيدتها ماريا نائمة على أرضية الخيمة وبيدها لعبة. ويريد والدها أخذها إلى تلعفر، لكنه "ليس قرارا سهلا"، و"نعرف أن الناس سيحكمون علينا"، فإذا كان نقل الناس عبر الحدود من
سوريا فنقلهم طوال الطريق إلى المكان الذي جاءوا منه هو تحد أكبر. ويحاول المسؤولون العراقيون في الوزارات وقاعات المؤتمرات والبلديات التفكير في كيفية عمل هذا.
ففي مدينة أربيل، اجتمع الأعيان على طاولة اجتماعات؛ لسماع ما سيقوله مستشار في واحد من أجهزة الأمن العراقية، سعيد جياشي، وقال: "أي عراقي، جيد أم سيئ، نحن مسؤولون عنه"، و"كونوا صادقين اليوم حول ما يثير قلقكم، كلي آذان صاغية"، واتفق الجميع على ضرورة عدم معاقبة الأطفال على ذنوب آبائهم، لكنهم طرحوا أسئلة حول عملية التدقيق الأمني.
وشاهد الحضور لقطات فيديو في
مخيم الهول لنساء يهاجمن فريقا صحفيا، ويهتفن بهتافات مؤيدة لـ"داعش". وقال أحدهم: "لدينا مشكلة، هؤلاء الناس لا يزالون يؤمنون بهذه الأيديولوجية"، وقال آخر: "لا نريد إحضار جماعة "داعش" مرة أخرى". ويقول المسؤولون العراقيون إن بطء عملية إعادة العراقيين من الهول ناجمة عن إجراءات التدقيق الطويلة.
ويجب أن توافق على
عودة كل شخص عدة أجهزة أمنية، مع أن بعض منظمات حقوق الإنسان تقول إن المعيار في اتخاذ القرارات ليس شفافا. وبعد نقاش حول من يحق له العودة ممن يجب استبعاده، ذكر جياشي الحضور: "علينا أن نكون واضحين، نحن لا نعيد
داعش الارهابي، بل ونعيد الناس الأبرياء، وعلينا التفريق في المصطلحات".
وعادت نسبة 80% من ملايين العراقيين الذين شردتهم الحرب إلى بيوتهم، لكن القبول لعودتهم متباين. فرغم عدم وجود تقارير عن أعمال عنف انتقامية ضد العائلات العائدة، وصف الكثيرون حياتهم بالبائسة والمنبوذة. ولا تريد الأمهات أبناءها اللعب مع أطفال عائلات العائدين، وأغلق الجيران أبوابهم على أنفسهم، رغم أنهم كانوا يتشاركون مع جيرانهم بوجبة الطعام.
وفي مدينة الموصل التي لا تزال آثار القصف الأمريكي حاضرة بعد المعركة الأخيرة مع "داعش"، يقول السكان إنهم لا يتخيلون
عودة المقيمين في الهول. وتساءل صاحب المحل غسان عبد الغني بشك: "هل تعتقد أنهم سيعودون إلى هنا".
ونظرا للذكريات المرة التي تركها
داعش في المدينة التي اتخذها عاصمة له، فإن السكان يجدون صعوبة في تخيل أن يكون جيرانهم من أتباع "داعش" السابقين: "أعني أن هذا مستحيل، ولن يقبل أحد بهم".
وفي بلدة القيارة جنوب الموصل، حيث من المتوقع
عودة عائلات، انقسم الناس حول من يجب السماح له بالعودة. واتفق الجميع على ضرورة معاملة النساء والأطفال دون إشعارهم بالذنب، لكن فكرة عودتهم جعلتهم قلقين. وفي صيدلية بشارع جانبي، بدا جميل جهاد، 42 عاما، مستسلما للوضع: "في النهاية سيقرر المسؤولون وليس نحن".
وأضاف: "عانى الناس هنا، وعلينا قبول ما سيحدث". وبالنسبة لفارس أحمد، 47 عاما، فهو لا يتخيل عودتهم: "لقد قتلوا سبعة من إخوتي عندما سيطروا على هذا المكان"، و"أخذت جثثهم من المشرحة"، وبالتأكيد لن يسمح أحد في هذه البلدة الصغيرة لمن ارتبط بهم بالعودة.