ويرى خبراء اقتصاديون أن السياسات الحمائية قد تُحدث اضطرابًا عميقًا في التوازنات التجارية بين ضفتي الأطلسي، داعين الى اتخاذ خطوات بالمثل للرد علي سياسات
ترامب.
وفي هذا السياق، أعرب الخبير الاقتصادي رئيس منظمة أرباب العمل الفرانكفونية ومستشار الرئاسة الفرنسية، جون لو بلانشييهعن قلقه من التداعيات بعيدة المدى لهذه الحرب التجارية.
وحذر بلانشييه من أن الإجراءات الأمريكية الأخيرة قد تُقوّض جهود النمو داخل منطقة اليورو، مؤكدًا أن "الحمائية تفتح الباب أمام موجات من التوترات الاقتصادية الدولية، وتعرقل سلاسة التجارة الحرة، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة".
ودعا بلانشييه
الاتحاد الأوروبي وفرنسا إلى تبني سياسات مرنة وشاملة تقوم على الابتكار وتعزيز الإنتاج المحلي، مع التركيز على تكامل اقتصادي أوروبي قادر على مقاومة الصدمات الخارجية وتأمين استقرار مستدام في المشهد الاقتصادي العالمي.
بدوره، حذر جان-لوك بيسو، أستاذ الاقتصاد بجامعة
باريس من تداعيات هذه السياسات على الاقتصاد الأوروبي، مؤكدَاً أن تشديد الرسوم
الجمركية الأمريكية على المنتجات الأوروبية يهدد بتقويض القدرة التنافسية للشركات الفرنسية، لا سيما تلك المعتمدة على التصدير.
ويقول بيسو: "زيادة التعريفات الأمريكية سترفع من كلفة الإنتاج بالنسبة للصادرات الفرنسية، ما سيقلّص قدرتها على المنافسة في السوق الأمريكية ويعرقل نموها في المرحلة المقبلة."
من جانبه، قال دومينيك شارف، الخبير في معهد الدراسات الأوروبية، إن هذا التصعيد قد يقوّض العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، موضحًا: "قد يؤدي ارتفاع الأسعار الناتج عن الرسوم الجديدة إلى تراجع الطلب على المنتجات الأوروبية، ما سينعكس سلبًا على الاقتصاد الفرنسي، حتى دون تأثير مباشر".
ويشير الباحث الاقتصادي الفرنسي إلى أن هذا الوضع قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تسريع وتيرة البحث عن شراكات تجارية جديدة، مما يعزز الحاجة إلى تبني استراتيجيات اقتصادية بديلة لمواجهة التحديات الخارجية وتفادي الارتهان للسياسات الأمريكية.
وفي هذا الإطار، كشفت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة OpinionWay لصالح CCI France و "لا تريبين" ومحطة "إل.سي إي" عن أن 62% من أصحاب الشركات الفرنسيين يؤيدون فرض رسوم جمركية مضادة على المنتجات والخدمات الأمريكية، في رد مباشر على ما اعتبروه "هجومًا اقتصاديًا" من
واشنطن.
وفي المقابل، رفض 30% تشديد الإجراءات الحمائية، بحسب نتائج "الاستشارة الكبرى لرواد الأعمال" التي صدرت في 30 أبريل الجاري.
وفيما دعا 81% من المشاركين إلى تعزيز العلاقات التجارية مع دول أخرى، أيد 41% وقف الاستثمارات في
الولايات المتحدة، بينما تمسك 49% بمواصلة الاستثمار هناك، رغم الانتقادات التي وجهها
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا لمثل هذا التوجه.
من جانبها، طلبت
الصين من بعض شركات الأدوية المملوكة للدولة دراسة كيفية تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في المنتجات الصيدلانية والمواد الخام.
يأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه بكين لانفصال محتمل عن الأسواق الأمريكية يهدد إمداداتها الطبية، يدفعها للبحث عن أسواق وموردين بدائل، وذلك بحسب ما نقلت بلومبرغ عن مصادر مطلعة.
وأفادت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها نظرًا لسرية المداولات، أن الهيئة التنظيمية للأدوية الصينية، وهي الإدارة الوطنية للمنتجات الطبية، نقلت هذه الرسالة إلى المسؤولين التنفيذيين في شركات الأدوية المملوكة للدولة في وقت سابق من هذا العام.
وكان التوجيه يهدف إلى تقييم جدوى استبدال منتجات الرعاية الصحية المصنعة في الولايات المتحدة.
وأضافت أن المنتجات التي تم تحديدها للاستبدال المحتمل - إما من خلال التوريد محليًا أو من دول أخرى مثل
اليابان - تتراوح من المكونات واللوازم المستخدمة في صنع الأدوية إلى معدات المختبرات وكواشف الاختبار.
وأشارت إلى أن النقاش بدأ بعد فترة وجيزة من عودة
دونالد ترامب إلى
البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني تحسبا لما كان سيتبعه من سياسات اقتصادية ضد الصين، وأن شركتين صينيتين على الأقل من شركات الأدوية المملوكة للدولة قد أكملتا منذ ذلك الحين تقييم حاجتهم للولايات المتحدة.
ويؤكد هذا الجهد على خطة بكين الأوسع نطاقًا للتحقق من نقاط الضعف التي كشفت عنها حربها التجارية مع الولايات المتحدة لمعالجتها.
وشهدت الحرب تصعيد متبادل برفعَ كل من الجانبين الرسومَ الجمركية على سلع الآخر إلى أكثر من 100%، مما يُهدد بتدمير التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وعلى صعيدٍ منفصل، طلبت
اللجنة الوطنية للصحة، وهي الجهة التنظيمية للقطاع الصحي في الصين، من بعضٍ من أكبر مستشفيات البلاد دراسةَ جدوى استبدال المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة بمنتجات محلية الصنع أو من دول أخرى، وفقًا لأحد المصادر.
وتعد المستشفيات الصينية الكبيرة من أبرز المشترين للمعدات الطبية المتطورة، مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتية التي تُنتجها شركات أمريكية، بما في ذلك GE HealthCare Technologies Inc. وMedtronics Plc.
بالإضافة إلى الأجهزة الطبية، تشتري المستشفيات في الصين أيضًا الكواشف والأدوية وغيرها من المواد الاستهلاكية الطبية الأمريكية الصنع للاختبارات والعلاجات.
كما تحصل شركات الأدوية على المضادات الحيوية، والحشوات، وغيرها من المكونات المستخدمة في الأبحاث السريرية والتصنيع من الولايات المتحدة.
كما تستورد الصين منتجات فحوصات الدم، مثل البلازما والألبومين، من
أمريكا.
ولن يكون هناك أي استبدال فوري للواردات الطبية الأمريكية، إذ سيتعين على الجهات التنظيمية الصينية مراجعة أي إمدادات بديلة تقدمها شركات الأدوية لضمان عدم تأثير هذا الاستبدال على الجودة والسلامة، وفقًا للمصادر.
في الوقت نفسه، هناك دلائل على احتمال انحسار التوترات التجارية، فقد وعد ترامب بأن يكون "لطيفًا للغاية" في أي محادثات تجارية مع الصين، بينما أفادت تقارير أن بكين تدرس تعليق تعريفتها الجمركية البالغة 125% على بعض الواردات الأمريكية.
مع ذلك، تُمثل خطة استبدال السلع الطبية سعي الصين لتجنب الوقوع
فريسة على المدى الطويل في ظل استمرار تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وتُلقي التعريفات الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين على الواردات الأمريكية بظلالها بالفعل على المستشفيات وشركات الأدوية.
وأفادت
بوابة العلوم الطبية المحلية "دينغشيانغ يوان" يوم الاثنين، نقلاً عن موردين وباحثين، بأنه في غياب الإعفاءات الجمركية، شهدت بعض السلع الصيدلانية المستوردة ارتفاعًا في الأسعار.
وصرح
مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين، للصحفيين خلال مؤتمر صحفي عُقد في بكين يوم الجمعة، بأن 5% من إمدادات بعض المستشفيات من الأدوية تأتي من الولايات المتحدة، التي تخضع الآن لرسوم جمركية صينية بنسبة 125%.
في حين أن الصين دأبت على السعي لاستبدال المنتجات الطبية المستوردة بأخرى محلية، وتُصنّع بالفعل الأدوية والمكونات الأكثر استخدامًا.
وبالإضافة إلى المعدات الطبية الأساسية، لا تزال شركات الأدوية الصينية تستورد كميات كبيرة من المواد الخام من الولايات المتحدة، ويعود ذلك جزئيًا إلى انخفاض جودة البدائل المحلية.
ولا يزال استبدال المعدات الطبية المتطورة من الولايات المتحدة على المدى القريب أمرًا صعبًا، حيث لاتزال تسعى الشركات المحلية لتطوير هذه المنتجات محلياً.