ورغم أن الشرارة الأولى في كلا الظرفين أشعلتها هجمات متزامنة ضد قوات الإدارة السورية في دمشق أخذ ما حصل بالأمس طابعا أقرب إلى "التمرد المنسق"، وفق خبراء ومراقبين.
وقاد هذا "التمرد" عناصر وضباط في إطار ما بات يطلق عليهم بعد محطة السقوط بـ"فلول نظام الأسد"، وشن هؤلاء هجمات بالتزامن ضد قوات "الأمن العام" السورية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 30 عنصراً وإصابة آخرين.
ولم يقتصر الأمر على ما سبق فحسب، إذ تمكن عناصر "فلول الأسد" من السيطرة على مناطق تقع في مدينة جبلة من الجهة الشمالية، بينها الكلية الحربية، بحسب صحفي تقيم عائلته هناك.
وأقدموا أيضا على نصب كمائن في عدة مناطق ساحلية، أسفرت في غالبيتها عن قتلى من قوات إدارة دمشق، بحسب بيانات رسمية، واستدعت استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة من جانب
وزارة الدفاع التابعة لإدارة دمشق.
كيف بدأت القصة؟
الهجمات التي حصلت بالتزامن ضد قوات إدارة دمشق لم تكن تشبه الهجمات التي سبقتها في الساحل السوري، بل اختلفت من زاوية الحدة والسياق العام الذي جاءت فيه.
وينظر إليها على أنها تحرك بدعم جهات إقليمية، تتصدرها إيران، وهو ما ألمحت إليه مصادر أمنية خلال الساعات الماضية.
وهذه المرة الأولى التي تشن فيها هجمات كبيرة من هذا النوع، على صعيد قتل عناصر "الأمن العام" والسيطرة على مناطق بعينها في الساحل، منذ لحظة سقوط نظام الأسد.
علاوة على ذلك، كان لافتا في أعقاب حصول الهجمات انتشار بيانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممهورة باسم العميد السابق في قوات "الفرقة الرابعة"، غياث دلا.
وأعلن دلا من خلال البيان تشكل ما يعرف بـ"المجلس العسكري لتحرير سوريا"، وأشار في مضمونه إلى الهدف المتعلق بقتال النظام السوري الجديد، وجاء ذلك تزامنا مع مظاهرات خرجت فجأة في طرطوس واللاذقية، وترددت فيها شعارات ضد حكومة أحمد الشرع.
الرواية الرسمية الأولى التي استعرضها مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية، المقدم مصطفى كنيفاتي ذهبت باتجاه أن الهجمات التي حصلت ضدهم "كانت منسقة ومعدة مسبقا".
وزارة الدفاع السورية قالت إنها تتعامل مع مسلحين متمردين من فلول النظام السابق
وقال كنيفاتي أيضا إن المباني الحكومية والممتلكات العامة وحتى الخاصة لم تسلم من "فلول ميليشيات الأسد"، حيث قاموا بتخريب وتكسير المرافق العامة في مدينة جبلة ومحيطها.
وردا على ما سبق دخلت
وزارة الدفاع التابعة لإدارة دمشق الانتقالية على الخط، وقالت إنها بدأت بإرسال تعزيزات عسكرية لمساندة قوات "الأمن العام" التي تتعرض للهجمات المتزامنة.
وتم العمل على إرسال التعزيزات من أكثر من محافظة سورية، ووصل قسم كبير منها فجر الجمعة، بحسب بيانات رسمية نشرتها وكالة "سانا".
ماذا يجري الآن؟
تتوزع تعزيزات الفصائل التابعة لوزارة الدفاع السورية على 3 مدن هي اللاذقية وطرطوس وبانياس.
وتشمل التعزيزات قطع سلاح ثقيل ودبابات وراجمات صواريخ، وفقا لتسجيلات مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونقلت "سانا" عن مصدر قيادي بإدارة الأمن العام قوله إنهم بدأوا "عمليات تمشيط واسعة في مراكز المدن والقرى والبلدات والجبال المحيطة".
وأضاف أن "عمليات التمشيط سوف تستهدف فلول ميليشيات الأسد ومن قام بمساندتهم ودعمهم، ونوصي أهلنا المدنيين بالتزام منازلهم والتبليغ الفوري عن أي تحركات مشبوهة".
لا تعرف حتى الآن محاور القتال الدائر، وقال الصحفي، أنس كردي إن جزء من التعزيزات بدأ يصل بالتدريج إلى مدينة جبلة بريف اللاذقية.
وأضاف أن قوات الإدارة الجديدة تسيطر على قلب جبلة فيما تنتشر فلول الأسد بالمناطق التابعة لها في الجهة الشمالية، بينها الكلية الحربية.
الناشط زين عرجا ومن جانبه كتب عبر تطبيق "مسنجر" بعد سؤاله عن الأوضاع الحاصلة في جبلة بأن "الوضع كارثي ولا كلمات تصفه".
قوات الأمن السوري طلبت تعزيزات من
وزارة الدفاع لمواجهة المسلحين في الساحل السوري
وأضاف عرجا: "الهيجان كبير في كل مكان بالساحل السوري"، وذلك بعد سؤاله عن ما يجري بالفعل على الأرض من قتال.
ويرى الباحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أن "الهجمات التي حصلت مساء الخميس كانت منسقة، الأمر الذي استدعى تحركا سريعا لمحاولة ضبط الأمور".
"الأمور كانت يمكن أن تذهب لسيناريو سيء مثل سيطرة الفلول على كتل بعينها داخل الساحل"، يقول شعبان.
ويعتبر أن عملية الضبط التي تقودها قوات الإدارة الجديدة لن تكون بالأمر السهل.
ويوضح: "الفلول كانوا يجهزون لهجماتهم منذ فترة طويلة. إنهائهم بشكل كامل سيكون صعبا.. الأمر يحتاج لمسار استخباراتي طويل لجمع ومعرفة أسماء القادة الذين يوجهونهم".
ومن جهته كتب الباحث السوري، عبد الرحمن الحاج عبر "فيس بوك" أن "الهدف مما يحصل في الساحل هو تمرد عسكري طويل الأمد يفشل الانتقال السياسي".
وقال الأكاديمي السوري، رضوان زيادة إن "فلول الأسد تحضر لتمرد عسكري طويل الأمد"، وإن "إيران تدعمه سياسيا وإعلاميا، وهدفه ضرب الاستقرار وإدخال سوريا في فوضى تفشل المرحلة الانتقالية".
كما أضاف زيادة: "يجب على الحكومة الانتقالية إبقاء المسار السياسي قائما برغم الضغوطات الأمنية من تشكيل للمجلس التشريعي وإعلان دستوري وتشكيل حكومة جديدة شاملة فيما بعد".
وأسفرت الهجمات عن سقوط أكثر من 70 قتيلاً، بينهم: 35 على الأقل من وزارتي الدفاع والداخلية، و32 من المسلحين التابعين لجيش نظام الأسد، و4 مدنيين، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان".
وأشار المرصد إلى إصابة العشرات مع ورود معلومات عن قتلى آخرين ومفقودين وأسرى من الطرفين، وسط أنباء عن عمليات تصفية وإعدامات ميدانية للأسرى.
في غضون ذلك، لا تزال عناصر مسلحة من جيش النظام السوري السابق منتشرة في عدة بلدات وقرى في جبال الساحل السوري، حيث انتشروا في الأحياء الشمالية لمدينة بانياس، وشوهدوا على الطريق الواصل مع جبلة.
وتعرضت القوات العسكرية أيضا لكمائن على طريق طرطوس-حمص، وطريق بانياس-جبلة.