الفيديو اظهر كنينة وهو معلّق على شجرة ومضرج بالدماء بعدما استهدف برصاصتين في جبينه وصدره، فيما يتجمع جموع من الناس حول جثته يضربونها بالأحذية، ويطلقون صيحات تعبر عن
الفرح والانتصار.
ويُتهم كنينة بالولاء لبشار الأسد، وقيل بحسب ما تردد من تقارير نشر أحدها "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، إنه كان "متورطا بكتابة تقارير أمنية".
كما ذكر "المرصد" أن "الرجل المذكور تسبب في اعتقال شبان من دمر وإدخالهم السجون، حيث تعرضوا للتعذيب"، مشيرا إلى أن "عملية إعدامه نفذها عناصر ينتمون لإدارة العمليات العسكرية".
ولم تتضح مجريات عملية الإعدام الميداني التي حصلت في دمّر حتى الآن، وما إذا كانت عملية قتل كنينة استندت على أمر من السلطة العسكرية التي تولت زمام الحكم في البلاد أم لا.
لكن بالعودة إلى الوراء، وبعد سقوط الأسد، تبدو هذه الحادثة جزءا من حالة باتت تتوسع بالتدريج ويوما بعد آخر.
وقبل كنينة شهدت ساحات عامة في مدن سورية عدة توثيق إعدام شخصيات كانت على ارتباط بالأسد، وأفرعه الأمنية.
وبينما كان سكان من رجال ونساء وأطفال يشاهدون هذه العمليات، تم توثيق حالات أخرى بشكل فردي.
بمعنى إقدام شخص على قتل آخر ونشر صورة جثته في وقت لاحق على مواقع التواصل.
ومنذ سقوط نظام الأسد لم تعرف الوجهة التي فرّ إليها ضباطه ورجاله الأمنيين، وحتى الآخرين من أصحاب الرتب العسكرية والأمنية الدنيا.
وفي حين تقول الإدارة الجديدة التي تولت الحكم المؤقت في البلاد إنها تلاحق من تسميهم "فلول النظام"، فإنها لا تكشف عن الآلية التي تسير بموجبها، وما إذا كانت هناك أي مسارات قضائية أو تتعلق بالمحاكمة سيتم اللجوء إليها فيما بعد.
الغموض الذي يحيط بالآلية والمسار المتعلق بالمحاكمات هو سبب يدفع أشخاصا عاديين أو مقاتلين، دون قرار مركزي، لتنفيذ حوادث القتل الميداني أو كما تعرف أيضا بـ"استيفاء الحق بالذات".
يضاف إلى ما سبق "عاملان" يستعرضهما الحقوقي السوري مدير مركز العدالة والمساءلة في واشنطن محمد العبد الله والذي اكد ان "غياب أجهزة الأمن والسلطات عن الحياة اليومية دفع الى تزايد عمليات القتل"، موضحا ان "هذه الحالة تترك الوضع أمام حالات اختطاف واعتداء وتصفية حسابات، وحالات استيفاء الحق بالذات. وهي حالات ثأرية".
وتابع ان "عدم التوجه إلى آليات مساءلة وعدالة يزيد عمليات القتل أيضا"، لافتا الى ان "الشخصيات المرتبطة بالنظام والأخبار التي تتوارد عن انتهاكاتهم، يجب أن تدفع الأمر باتجاه إخضاعهم لمحاكمة".
ومن المفترض أن "تناقش في هذه المحاكمة كل الأدلة مع وجود شهود ضدهم، ووثائق تم العثور عليها في أجهزة الأمن".
ويعتبر المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال، حالات "الإعدام" الموثقة جرائم قتل".
وذكر "نحن نعيش فعلا حالة من الفلتان الأمني الخطير، وهناك تزايد بجرائم القتل والسرقة والخطف".
لكن الشعال يرى في المقابل، أن "ما يجري حالة طبيعية ومتوقعة، نتيجة انهيار النظام السابق".
ويضيف: "كما أنه طبيعي بسبب ترك السلاح من قبل الجيش وقوى الأمن والشرطة (لدى النظام السابق بعد سقوطه)، وإطلاق سراح السجناء حتى الجنائيين منهم، واستيلائهم على السلاح الذي كان موجودا بالسجون".
ولم تقتصر حوادث "استيفاء الحق بالذات" على مدينة دون غيرها، خلال الأيام الماضية.
بل شملت عدة مناطق في دمشق، مرورا بحمص ووصولا إلى مناطق الساحل السوري.
ويقول العبد الله إن "التشخيص الأولي يشي بأن معظم الحالات التي يشار إليها هي حالات فردية، بدأت تتحول لحالات واسعة الانتشار".
ويضيف: "هذه إحدى السمات التي تُؤخذ بالاعتبار عند النظر لانتهاكات حقوق الإنسان.. هل هي حالات واسعة الانتشار؟ وهل هي حالات ممنهجة؟.. وبعد أن تتثبت كحالات ممنهجة يجري التدقيق بما إذا كانت سياسة دولة أم لا".
والحالة القائمة في سوريا الآن تشير إلى أن "حوادث القتل الميداني لا تعتبر سياسة دولة، وليست حوادث ممنهجة أيضا"، وفق العبد الله.
لكن في المقابل، يمكن القول إنها "حالات واسعة الانتشار"، حسب مدير مركز العدالة والمساءلة في واشنطن.
ويؤكد العبد الله أنه "دون إطلاق محاكمات وآليات، سنكون أمام تكرر مشاهد القتل هذه".
ويوضح أن الحوادث تصنف في مسارين: "إما جماعية من مجتمع وأحياء بأكملها، مثل حادثة قتل
مختار دمر، أو فردية (أي يختطف شخص آخر ويقتله بعد حصوله على معلومات بأنه متورط بانتهاكات في السابق)".
المحامي السوري، الشعال، يشدد على أن "ازدياد هذا النوع من الجرائم له آثار خطيرة"، ويؤكد أن "المجتمع سيحتاج وقتا طويلا للتعافي منها".
لكن المحامي يشير، في المقابل، إلى "وجود شعور عام بأنه مهما كان الثمن الذي سندفعه كبيرا نتيجة الخلاص من النظام السابق، فلا ضير من ذلك طالما تخلصنا من طغمة جثمت أكثر من نصف قرن فوق رؤوس السوريين".