ترامب، المعروف بسياساته الاقتصادية الجريئة والمثيرة للجدل، يُنتظر أن يترك بصماته المعتادة على الاقتصاد الأميركي، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العملة الأميركية في الأسواق العالمية، وتأثير ذلك على باقي العملات.
تاريخياً، ارتبطت سياسات
ترامب بمزيج من التخفيضات الضريبية الواسعة، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، وتبني الحمائية التجارية. ومن المتوقع أن تسهم هذه التوجهات في تعزيز الثقة بالدولار على المدى القصير، لكنها قد تثير تحديات اقتصادية، مثل زيادة العجز المالي وارتفاع الدين العام.
يتجه مؤشر
الدولار إلى تحقيق أفضل عام له منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وذلك مع كبح قوة الاقتصاد الأميركي التوقعات لدورة خفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي، علاوة على تداعيات تهديدات الرئيس المنتخب
دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية قاسية، وهي عوامل أساسية تدعم الرهانات الصعودية على العملة.
وارتفع مؤشر بلومبرغ للدولار بأكثر من 7 بالمئة حتى الآن هذا العام، وهو أفضل أداء منذ العام 2015. كما ضعفت جميع العملات في العالم المتقدم مقابل
الدولار الأميركي؛ في وقت اضطرت فيه البنوك المركزية الأخرى إلى دعم الاقتصادات المحلية.
ونقلت الوكالة عن استراتيجي الصرف الأجنبي في باركليز، سكايلار مونتجومري كونينج، قوله:
"كانت الركيزة الأساسية لدعم
الدولار الأميركي هذا العام هي قوة الاقتصاد".
تعني هذه القوة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتجه نحو دورة خفض ضحلة تترك أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أعلى، بما يساعد في الحفاظ على تقييمات
الدولار المرتفعة تاريخياً.
ومع رهان وول ستريت على أن
الدولار لديه مساحة أكبر للارتفاع في العام الجديد، فقد يتحسن النمو الاقتصادي
العالمي في وقت لاحق من العام، مما يدعم العملات الأخرى ويثقل كاهل الدولار، وفق تقرير لبلومبيرغ.
وكان محللو غولدمان ساكس، بقيادة كاماكشيا تريفيدي، قد كتبوا في مذكرة في 20 ديسمبر الجاري:
"إن قوة
الدولار الحالية تتوافق مع البيانات الواردة، ولا نعتقد بأن الأسواق قد دمجت توقعاتنا بشأن التعريفات الجمركية بشكل كامل".
لا تزال المخاطر التي تهدد توقعاتنا قائمة على الجانب الإيجابي على المدى المتوسط. وخاصة إذا ترجمت المشاعر الأقوى إلى نمو أكثر استدامة في الولايات المتحدة على الرغم من المزيد من التدابير الحمائية.
تأثير
عودة ترامب
من جانبه، يتناول المدير التنفيذي بشركة VI Markets، أحمد معطي، تأثير
عودة دونالد ترامب على الاقتصاد الأميركي وسوق العملات العالمية، مؤكداً أن:
وجود
ترامب على الساحة السياسية يعزز من قوة
الدولار الأميركي بشكل طبيعي؛ نظراً لتوقعات السياسات الاقتصادية التي قد يتبناها.
سياسات
ترامب المرتقبة تميل إلى تعزيز الضغوط التضخمية، الأمر الذي يرفع من جاذبية
الدولار الأميركي.
مؤشر
الدولار (Dollar Index) ارتفع منذ فترة ما قبل الانتخابات وحتى الآن بنحو 2 بالمئة، حيث كان عند مستويات 106 ووصل الآن إلى ما فوق 108، مع توقعات بمزيد من الارتفاعات في العام 2025.
ويضيف: "إدارة
ترامب تتجه إلى زيادة التعريفات الجمركية، مما يضيف ضغوطاً تضخمية على الاقتصاد الأميركي"، مؤكداً أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بدأ بالفعل في تعديل توقعاته بشأن خفض أسعار الفائدة، إذ خفض توقعات الخفض من أربع مرات في 2024 إلى مرتين فقط، مشيراً إلى أن هذه التغيرات قد تكون جزئياً نتيجة لسياسات
ترامب.
قالت لجنة السياسة النقدية في الفيدرالي إنه من المتوقع أن يتم خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس خلال العام المقبل.
يتوقع مسؤولو مجلس الاحتياطي الآن خفضين آخرين فقط في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة بحلول نهاية عام 2025.
ويقل هذا بنصف نقطة مئوية عن الخفض الذي كان المسؤولون يتوقعونه حتى سبتمبر للعام المقبل، مع ارتفاع توقعات مجلس الاحتياطي للتضخم للعام الأول من إدارة الرئيس المنتخب
دونالد ترامب القادمة من 2.1 بالمئة في توقعاتهم السابقة إلى 2.5 بالمئة حاليا، وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ اثنين بالمئة.
ويشير المدير التنفيذي بشركة VI Markets، إلى أن
ترامب يعتمد على استراتيجية دعم الإنتاج المحلي من خلال فرض ضرائب على الواردات؛ بهدف جعل المنتجات الأميركية أكثر تنافسية. ومع ذلك، يشدد على أن جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يتعامل بحذر مع هذه السياسات وينتظر رؤية تأثيرها الفعلي على التضخم والنمو.
وفيما يتعلق بالسندات الأميركية، يلفت معطي إلى أن عوائد السندات بدأت في الارتفاع مجدداً بسبب زيادة الطلب عليها من المؤسسات والدول، التي ترى أن الاقتصاد الأميركي لا يزال الأكثر استقراراً وأماناً رغم ارتفاع مستويات الديون.
ويختتم تصريحاته بالإشارة إلى أن
عودة ترامب قد تعزز الثقة في الاقتصاد الأميركي مجدداً وتزيد من قوة
الدولار في الأسواق العالمية.
الدولار القوي
ويتوقع معظم استراتيجيي سوق النقد الأجنبي استمرار قوة
الدولار. ويشير تحليل لـ "رويترز" إلى أنه من المتوقع أن تستمر العديد من العوامل التي أدت إلى ارتفاع العملة الأميركية بنسبة 7 بالمئة مقابل سلة من العملات المماثلة هذا العام، بما في ذلك:
النمو الاقتصادي القوي نسبيا في الولايات المتحدة وارتفاع عائدات سندات الخزانة، في دعم العملة الأميركية.
ومن المرجح أيضاً أن تسهم الرسوم الجمركية التي يفرضها
ترامب وسياساته التجارية الحمائية في تعزيز
الدولار.
كما أن احتمالات ارتفاع التضخم قد تمنع بنك الاحتياطي الفيدرالي من مواكبة تخفيضات أسعار الفائدة، حتى مع استمرار البنوك المركزية الأخرى في تخفيضاتها، وهو ما من شأنه أن يدعم
الدولار بشكل أكبر.
ويعد تحديد المسار الصحيح للدولار أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين، نظرا للدور المركزي الذي تلعبه العملة في التمويل
العالمي.
ويلفت التحليل إلى أن
الدولار القوي قد يؤثر سلباً على آفاق الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة، فضلاً عن تعقيد جهود البنوك المركزية الأخرى لمكافحة التضخم لأنه يجعل عملاتها أرخص.
ووفقاً لكارل شاموتا، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة المدفوعات "كورباي"، فإن استمرار المكاسب الكبيرة للدولار قد يفرض ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد العالمي، إلا أن التحديات المستقبلية وعدم اليقين حول الأوضاع الاقتصادية تجعل تحقيق مزيد من الارتفاعات القوية أمرًا صعبًا، خاصة بعد أن أخذت الأسواق بالفعل بعين الاعتبار قوة الاقتصاد الأميركي.