وبعد ساعات من
إعلان مصدر في الكرملين لوكالات أنباء روسية، أن الأسد
وعائلته وصلوا إلى موسكو، بعد منحهم حق اللجوء "لأسباب إنسانية"، قال المتحدث باسم الكرملين: "ليس لدي ما أقوله لكم عن تنقلات الرئيس الأسد"، مضيفا أن "العالم بأسره فوجئ بما حصل، ونحن لسنا استثناء".
وقال بيسكوف إنه إذا منحت روسيا اللجوء للأسد وعائلته، فسيكون هذا قرارا يتخذه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مضيفا: "بالطبع لا يمكن اتخاذ قرارات مماثلة بدون رئيس الدولة، وهذا القرار له".
ولطالما مثلت روسيا الداعم الأبرز للأسد، حيث تدخلت عسكريا بشكل مباشر منذ اندلاع النزاع في 2011، وساهمت بشكل حاسم في بقائه في منصبه وإعادة سيطرته على غالبية المناطق التي سقطت بيد المعارضة، قبل أن تنهي سيطرته على دمشق، ومعه حكم أسرته الذي استمر لستة عقود تقريبا.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المطالبات الدولية بمحاسبة
الأسد على الجرائم التي ارتكبها، تتزايد أيضا التساؤلات بشأن مصيره النهائي ووضعه القانوني. ويأتي الغموض المحيط بوجوده في موسكو ليضيف طبقة جديدة من التعقيد بشأن الأساس القانوني الذي يمكن لروسيا من خلاله منحه حق اللجوء وتبعات ذلك قانونيا.
المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، يقول إن "روسيا ملزمة وفق
القانون الدولي بمجموعة من الالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي تستوجب محاسبة أو تسليم المتهمين بالتعذيب للمحاكمة".
وأضاف أن "استضافة روسيا للأسد قد تشكل خرقاً لالتزاماتها الدولية إذا عرقلت الجهود القانونية لمحاسبته، مما قد يعرضها لانتقادات دولية ومطالبات قانونية باعتبارها متواطئة في حماية متهم بجرائم حرب".
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء ووسائل إعلام رسمية عن المصدر في الكرملين الذي لم تذكر اسمه قوله "وصل الرئيس السوري
الأسد وأفراد عائلته إلى موسكو. منحتهم روسيا حق اللجوء لأسباب إنسانية".
في هذا الجانب، يوضح الكيلاني أن "مفهوم اللجوء الإنساني في القوانين الدولية، يمنح الحماية للأشخاص المعرضين لخطر على حياتهم أو سلامتهم بسبب النزاعات أو الاضطهاد، غير أنه لا يمكن تطبيق هذا النوع من اللجوء في حالة الأسد، نظرا لأن الاتفاقيات الدولية تستثني المتهمين بجرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب من الحماية القانونية".
وأوضح أن "روسيا قد تلجأ لاستخدام نفوذها، خاصة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لحماية
الأسد من الملاحقات الدولية ومنع إحالته للمحكمة الجنائية الدولية".
لكنه أشار إلى أن "هذه الحماية تظل محدودة خارج الأراضي الروسية، حيث يمكن اعتقاله في
الدول التي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية"، كما يمكن طلب تسليمه عبر الإنتربول الدولي في حال تمت محاكمته في دمشق.
ويتيح مبدأ "الولاية القضائية العالمية" للمحاكم الوطنية في أي
دولة محاكمة مرتكبي جرائم دولية خطيرة، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية المتهم أو الضحايا.
وأعلن مساعد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، أن "موسكو طلبت عقد اجتماع طارئ ومغلق لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، بعد ظهر الإثنين، لبحث تداعيات الأحداث الأخيرة على سوريا والمنطقة"، في حين غرّد المبعوث
الروسي في فيينا، ميخائيل أوليانوف، قائلا إن "روسيا لا تخون الأصدقاء في المواقف الصعبة".
المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، تقول إن "التبعات القانونية المترتبة على روسيا جراء استضافة
الأسد تظل محدودة في ظل غياب طلبات رسمية لتسليمه حتى اللحظة".
وأوضحت أن "المحكمة الجنائية الدولية لا تملك اختصاصاً قضائياً على سوريا"، مشيرة إلى سببين رئيسيين "أولاً، سوريا ليست مصادقة على نظام روما ولم تعلن حكومتها قبول اختصاص المحكمة، وثانيا، مجلس الأمن لم يحل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية".
ويُعد نظام روما الأساسي، الذي اعتُمد في عام 1998، بمثابة المعاهدة الدولية المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.
ويمنح النظام المحكمة صلاحية محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم الدولية: الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان. ولا تملك المحكمة سلطة قضائية إلا على
الدول الأعضاء في النظام، أو في حال إحالة قضية إليها من مجلس الأمن الدولي".
وأضافت أنه "حتى في حال افتراض وجود اختصاص للمحكمة وصدور مذكرة توقيف في المستقبل، فإن روسيا ليست
دولة طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية".
ولفتت إلى أن "موقف روسيا من المحكمة صار أكثر عدائية بعد صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس
الروسي نفسه".
وأشارت في سياق حديثها عن الإطار القانوني لعملية اللجوء، إلى أن "القانون الدولي لا يميز بشكل صارم بين اللجوء الإنساني والسياسي"، موضحة أن "أسباب اللجوء وفق
القانون الدولي تشمل الخوف من الاضطهاد القائم على الجنسية أو الإثنية أو الطائفة أو الانتماء السياسي أو القومي".
وتابعت: "عندما نتحدث عن التمييز بين اللجوء الإنساني والسياسي في الخطاب الإعلامي، فإننا نقصد ما إذا كان سبب اللجوء يستند إلى موقف سياسي أو إلى أسباب إنسانية كالانتماء لطائفة أو إثنية معينة".
وأوضحت أن "بعض
الدول تمنح لجوءا مؤقتا بناء على كوارث إنسانية مثل الانهيار الاقتصادي أو الكوارث الطبيعية، رغم أن هذه الأسباب لا تندرج ضمن الأسس التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللجوء".
وكشفت شحادة عن وجود اتفاقية لتسليم المطلوبين بين روسيا وسوريا موقعة في 29 حزيران 2022، مبينة أن "سوريا يمكنها طلب تسليم
الأسد في حال قررت إجراء محاكمات قضائية وطنية ضده"، لكنها استدركت قائلة: "اتفاقيات التسليم عادة ما تتضمن استثناءات تمنع تطبيقها في حالة الجرائم ذات الطابع السياسي".
وبشأن الالتزامات القانونية الدولية المترتبة على روسيا، أكدت أن "الالتزامات القانونية الوحيدة لتسليم
الأسد تكون بناءً على الاتفاقيات الثنائية المعقودة سابقاً بين روسيا والدولة طالبة التسليم"، مشددة على ضرورة "مراجعة هذه الاتفاقيات بدقة عند تقديم أي طلب لتسليم
الأسد مستقبلاً".
وعن طبيعة قرار منح اللجوء وإجراءاته في روسيا، أوضحت شحادة أن "إجراءات الحصول على اللجوء في روسيا، كما في معظم دول العالم، تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب إجراءات روتينية معقدة".
وأكدت، في هذا السياق، أن "سرعة
إعلان منح اللجوء للأسد وكونه قرارا رئاسيا من بوتين، وليس قراراً إداريا من الجهات المختصة بطلبات اللجوء، يؤكد طابعه السياسي رغم الحديث عن دوافع إنسانية".