ونقلت وسائل إعلام أجنبية عن علماء قولهم إن الفرص الضائعة، ونقص التمويل التي ساهمت في انتشار الفيروس القاتل وسط أفريقيا، وتحديدا في
جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ أنه مع بداية عام 2024، قتل الفيروس حوالي 575 شخصا هناك، مع إصابة أكثر من 30 مرة أكثر من ذلك، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أمس الأحد.
وذكرت منظمة
الصحة العالمية مؤخرا، إنه خلال العامين الماضيين منذ تفشي "جدري القردة"، "لم يتم استثمار فلس واحد من أموال المانحين على المستوى
العالمي للسيطرة على "جدري القردة".
وفي وقت مبكر من شهر كانون الثاني 2024، قادت التغيرات التي طرأت على شكل فيروس "جدري القردة"، لورانس ليزنبورغس، وهو طبيب متخصص في الأمراض المعدية، وبعض زملائه إلى جنوب كيفو في شرق الكونغو، حيث اكتشفوا هناك "نمطا ناشئا" لانتقال الفيروس من إنسان إلى آخر.
ويقول ليزنبورغس: "لقد كان تفشيا مختلفا تماما للفيروس"، وحتى في ذلك الوقت، كانت هناك فرصة للتحرك لاحتوائه، ولو تم تنفيذ التطعيم والاختبارات والمراقبة على نطاق واسع، لكان من الممكن تجنّب أحدث حالة طوارئ صحية، التي أعلنتها منظمة
الصحة العالمية في 14 آب الجاري".
"الميزانية لا تسمح"
أكد لورانس ليزنبورغس أن من بين أسباب تفشي مرض "جدري القردة" في أحدث هيئة له، هو أن "الميزانية والموارد لم تواكب ذلك"، بحسب قوله، في إشارة إلى نقص التمويل لوزارة
الصحة في الكونغو، وهو يعتقد أن فرصة كسر سلاسل انتقال العدوى ضاعت في تلك اللحظة.
وفي هذا السياق، تقول عالمة الأوبئة، آن ريموين، التي تعمل في الكونغو منذ 22 عاما لفهم كيفية انتشار "جدري القردة"، ومن يتأثر بها، وكيف يمكن الوقاية منها والسيطرة عليها: "لم يكن لدينا أموال لمعالجة آليات انتقال العدوى أو أي قضايا أخرى لمدة 20 عاما".
وعندما سُئلت عن المسؤول عن هذا، قالت ريموين، وهي رئيس قسم الأمراض المعدية والصحة العامة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "لا أعتقد أن الأمر يتعلق بتوجيه أصابع الاتهام، بل يتعلق بنقص الموارد على مستوى العالم لمكافحة الأمراض الناشئة".
فقر الموارد
ويقول أستاذ علم الأوبئة للأمراض المعدية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، ديفيد هيمان: "تتمتع
جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا بخبرة كبيرة، لكنهم لا يملكون الموارد اللازمة لإجراء البحوث"، وحتى الآن، "لم تكن هناك أي جهود منسقة حقيقية".
الكونغو وتحديات كبيرة
تواجه الكونغو، التي هي إحدى أفقر دول العالم، تحديات كبيرة، منها الصراع المستمر الذي قد يؤدي إلى تعطيل الرعاية الطبية، وقد يستغرق نقل عينات المرضى من المناطق النائية إلى المدن الرئيسية، حيث توجد أجهزة تفاعل البوليميراز المتسلسل لتأكيد الإصابة بـ"جدري القردة" أياما وأحيانا أسابيع، وهذا يجعل جهود
الصحة العامة الأساسية، مثل تتبع المخالطين، شبه مستحيلة.
واعترف وزير
الصحة في الكونغو، روجر كامبا: "لقد كانت بنيتنا التحتية متدهورة منذ ستينيات القرن العشرين".
صراع من أجل اللقاحات
لكون أن الاتصال الجنسي من أبرز عوامل الإصابة بـ"جدري القردة"، فإنه في عام 2022، تم طرح برنامج التطعيم ضده، والذي تم توفيره بصورة سريعة لحماية الفئات الضعيفة، بما في ذلك الرجال المثليين ومزدوجي الميل الجنسي في أمريكا وبريطانيا والعديد من الدول المتقدمة الأخرى، وتم التوصل وقتها أن الجرعة المزدوجة من لقاح "جاينوس"، من تصنيع شركة "بافاريان" الدنماركية، فعالة بنسبة تصل إلى 85٪ في منع العدوى.
وقامت أمريكا بتخزين ملايين الجرعات، والتي عرضت 50 ألف جرعة فقط للكونغو كمتبرع.
وعلى الرغم من استخدام لقاح شركة "بافاريان" على نطاق واسع منذ عام 2022، فإن الافتقار إلى تصريح حاسم من منظمة
الصحة العالمية - يستخدم لإعطاء الضوء الأخضر للأدوية للشراء من قبل وكالات المساعدة - أدى إلى توقف الجهود للحصول على اللقاح للدول ذات الدخل المنخفض، مع نمو تهديد الفيروس.
وقدّرت آن ريموين وفريقها بعملية حسابية، أن الأمر سيتطلب 40.7 مليون جرعة لتكون ناجحة داخل الكونغو، وهذا أكثر بأربع مرات مما تقدّره مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أفريقيا أنها تحتاجها لقارة أفريقيا في الوقت الحالي، وهو ما دفع وزير
الصحة في الكونغو، روجر كامبا، إلى تسليط الضوء على تكلفة اللقاحات، عندما قال إن "البلاد ستحتاج فقط إلى 3.5 مليون جرعة لوقف تفشي المرض".
وتظل المشكلة أنه حتى اللحظة الراهنة، لم تحصل الكونغو على جرعات للتطعيم العام، ومن المتوقع وصول اللقاحات الأولى في غضون أيام، ولكن حتى ذلك الحين، سيتعين اتخاذ قرارات معقدة حول أفضل طريقة لتخصيص الجرعات الثمينة، عبر بلد يبلغ عدد سكانه ما يقرب من 100 مليون شخص، حيث لا يتم توثيق غالبية حالات "جدري القردة".