ويأتي هذا الرد المحتمل في خضم تهديدات إيرانية أطلقها أمس الأحد حجة الإسلام طائب مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني بأن "السيناريو المصمم للانتقام لدم الشهيد هنية هو من السيناريوهات التي لا تمكن قراءتها".
ويتزامن مع هذه التهديدات ترقب في إسرائيل؛ إذ رفعت حالة التأهب إلى الدرجة القصوى، بعد اغتيال هنية في طهران فجر الأربعاء الماضي، وإعلان
الجيش الإسرائيلي اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في اليوم الذي سبقه.
كما ترافق ذلك مع استمرار حشد الولايات
المتحدة مزيدا من السفن الحربية والطائرات المقاتلة لما تقول إنها لحماية قواتها وحليفتها إسرائيل من تهديدات إيران والفصائل المرتبطة بها.
خرق أمني كبير
تحديد طبيعة الرد الإيراني مرتبط بمدى الخرق الأمني الذي تعرضت له طهران باغتيال هنية أو ما وقع لحزب الله في لبنان باغتيال فؤاد شكر، لذلك يرى الخبير العسكري والإستراتيجي العميد ركن حاتم الفلاحي أن ما تعرضت له إيران يعد خرقا أمنيا كبيرا وضربا للسيادة الإيرانية.
وأضاف الفلاحي أن طبيعة الضربة التي تعرضت لها إيران تجبرها على الرد باختراق سيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة، مما يرجح مسألة الضرب بالمثل عبر استهداف قيادات سياسية، وهذا قد يبين سبب تأخر الضربة الإيرانية حتى هذه اللحظة.
وينظر الأستاذ بكلية الدراسات العالمية في جامعة طهران حسين رويران إلى اغتيال هنية بوصفه تحديا كبيرا لإيران على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية، وكذلك في كل محور المقاومة، "ومن هنا لا يمكن لإيران أن تقوم برد باهت أو محدود، وسترد بمستوى التحدي الذي واجهته في عملية اغتيال القائد الكبير إسماعيل هنية".
أما الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد فيرى أن "إيران في موقف حرج للغاية، وأنها أمام اختبار حقيقي ومنعطف حاد جدا، وهي بحاجة لرد جدي ومؤثر يتناسب مع ما جرى على أرضها من مساس بسيادتها واغتيال ضيفها وكسر هيبتها الأمنية في المنطقة".
طبيعة الرد
ويمكن النظر إلى سيناريوهات الرد الإيراني في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتدخل أطراف أخرى في ما يعرف بـ"وحدة الساحات" مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثيين في اليمن.
لذلك يرى العميد المتقاعد في الحرس الثوري الإيراني منصور حقيقت بور أن الرد الإيراني سيكون "هجينا وصارما ورادعا"، أي أنه سيكون عبارة عن عمليات عسكرية مركبة (هجينة) تأخذ أشكالا مختلفة.
لكن رويران يذهب في رؤيته لطبيعة الرد الإيراني إلى زاوية أخرى من حيث نوعية الاستعدادات العسكرية والاستخباراتية التي تمت في إيران أو ما قام به حزب الله في الداخل الإسرائيلي، وتنامي مقدرات جماعة الحوثيين.
إذ يقدم الأستاذ في كلية الدراسات العالمية في جامعة طهران شرحا لذلك ويقول إن الرد الإيراني "سيكون مختلفا هذه المرة، وسيكون أكثر إيلاما للكيان الصهيوني"، وأرجع ذلك إلى اعتبارات ميدانية وتجارب جديدة استطاع خلالها حزب الله تصوير كل فلسطين باستعمال المسيرات "الهدهد"، أو مقدرات جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن الذين وصلت صواريخهم إلى تل أبيب.
سيناريوهات الرد
الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام عن المسؤولين في إيران تشير إلى أن هناك قرارا اتخذ بالفعل بالرد على جريمة اغتيال هنية في عقر دارها، وهناك مسارات أمنية وعسكرية وسياسية يجري الاستعداد لها تتعلق بحجم هذا الرد وأشكاله.
ويرى أسامة خالد أن "الموقف
السياسي حرج لدى طهران، وهي بحاجة لخطوات جادة وحاسمة لترميم قواعد الاشتباك وإعادة الردع وهيبة الدولة"، ويرى أن ذلك يمكن أن يتم وفق السيناريوهات التالية:
أولا- رد إيراني يشبه ما حدث في أبريل/نيسان الماضي عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، مع زيادة في الضربات كمًّا ونوعا هذه المرة.
ثانيا- تنسيق عالي المستوى مع جميع محاور المقاومة (لبنان – اليمن – العراق – سوريا – غزة) بما يضمن الضرب المتزامن والمكثف للنيران البعيدة والقريبة وبكافة أنواعها من جبهات عدة لتحقيق إغراق ناري غير مسبوق في مناطق محددة في المدن الإسرائيلية، والتركيز على القواعد العسكرية الحساسة كأولوية في الاستهداف.
ثالثا- الذهاب نحو ضربة نارية كبيرة موسعة مع محاولة الغزو البري في أجزاء من شمال فلسطين المحتلة، بما لا يستوعبه الاحتلال الإسرائيلي، ومما قد يضطره إلى ردة فعل شديدة نحو طهران وباقي الجبهات، وهذا بدوره قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة والذهاب نحو حرب إقليمية شاملة.
رابعا- قيام الاحتلال الإسرائيلي بضربة استباقية لحزب الله وإيران وبعض الجبهات الأخرى، من دون انتظار الرد الإيراني وعدم البقاء تحت سيف الوقت الذي لا تتحمله إسرائيل.
ويتقاطع الخبير العسكري والإستراتيجي الفلاحي مع السيناريوهات السابقة، ويرى أنها قد تكون على النحو التالي:
أولا- القيام بعمليات اغتيال سياسية أو ضرب أهداف سياسية بعيدا عن الأهداف الاقتصادية والحيوية.
ثانيا- توجيه ضربات لأهداف حيوية وعسكرية كما جرى في الرد الذي قامت به إيران في أبريل/نيسان الماضي.
ثالثا- يمكن لإيران استخدام جبهات إسناد مختلفة كما في سوريا واليمن والعراق من أجل توجيه ضربة لإسرائيل مما يؤدي إلى التصعيد لحرب إقليمية شاملة.
خيار الحرب الشاملة
ويستبعد الفلاحي السيناريو الثالث لأنه يمثل انتقالا نوعيا في مسألة الأهداف، مما قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة بين الطرفين، وهذا ما لا تريده إيران ولا تريده إسرائيل ولا الولايات
المتحدة الأميركية.
وأضاف الفلاحي أن قواعد الاشتباك بين الطرفين توحي بأنهما لا يريدان التصعيد إلى حرب إقليمية في المنطقة، وهناك الكثير من الأهداف الحيوية والاقتصادية التي يمكن أن تضرب في الكثير من المناطق سواء كانت في داخل إيران أو في لبنان أو في إسرائيل ولم تضرب من قبل، واكتُفي بالاغتيالات السياسية.
ويذهب رويران إلى الرأي نفسه، ويرى أن إيران سترد لكن بمستوى لا يسمح بتحول هذه المواجهة إلى حرب شاملة، لأنه إذا قامت إسرائيل بالرد على إيران "أتصور أن ذلك الرد هو الذي يمكن أن يدفع إيران إلى الرد مرة أخرى، وتكرار الأمر قد يأخذ المنطقة إلى مستويات معقدة من المواجهة".
لكن أسامة خالد يختلف مع سابقيه ويقر بأن الإقليم يمر بمنعطف حاد جدا في بعديه
السياسي والعسكري، وحوادث اغتيال فؤاد شكر في لبنان وهنية في طهران وقصف الحديدة في اليمن جعل المشاركة في رد موحد وموسع على إسرائيل أمرا واجبا ويستوجب حالة من التنسيق المباشر والمتابعة بين قوى محور المقاومة.
ويختم تصريحاته بقوله إن التصعيد مستمر ومرتبط بطبيعة السلوك الإيراني ومحور المقاومة وحجم الرد الذي سيقومون به، وأيضا مرتبط بالنوايا الإسرائيلية الحقيقية تجاه محور المقاومة، وهل هي معنية بافتعال حرب واسعة لجر إيران والمنطقة إليها، ومرتبط أيضا بالقناعة الأميركية بمدى قدرة إسرائيل على السيطرة على الأحداث إذا تدحرج التصعيد لحرب إقليمية.