وداغستان
جمهورية ذات أغلبية مسلمة، يعني اسمها "أرض الجبال" باللغة التركية، وعاصمتها محج قلعة.
جغرافيا داغستان الفريدة
تقع داغستان على الشاطئ الأوروبي لبحر قزوين، في الجزء الجنوبي الأوروبي من روسيا الاتحادية، وتغطي مساحة تقارب 50 ألف كيلومتر
مربع. تشكل سلسلة جبال القوقاز معظم تضاريسها؛ ما يضفي على المنطقة طابعاً جبلياً فريداً.
ويعود اسم "داغستان" -وفق بعض الروايات- إلى اللغة التركية، حيث يعني "بلاد الجبال".
تحد داغستان من الجنوب والجنوب الغربي جمهوريتا أذربيجان وجورجيا، ومن الغرب والشمال تحدها جمهورية الشيشان، وإقليم ستافروبول، وجمهورية قلميقيا.
ويمثل موقع الجمهورية أهمية استراتيجية لكونها حلقة وصل بين روسيا وآسيا الوسطى وتركيا وإيران.
وبفضل طبيعتها الجبلية، تحتوي داغستان على مئات الأنهار والينابيع، نهر سولاك هو أحد أهم الأنهار، ويعتبر مصدراً رئيسياً للطاقة الكهرومائية.
وتمتد سواحل البلاد على بحر قزوين، حيث يقع العديد من المستنقعات والمناطق الرطبة. وتوفر هذه السواحل بيئة مهمة لأنواع عديدة من الطيور المهاجرة والأسماك، ويشكل ميناء محج قلعة نقطة رئيسية للتجارة والصيد البحري.
التنوع العرقي واللغوي في داغستان
وفقاً لموسوعة BRITANNICA تتمتع البلاد بتنوع عرقي كبير، حيث تضم حوالي 30 مجموعة عرقية و81 جنسية، يتحدث معظمهم اللغات القوقازية أو التركية أو الإيرانية. أكبر هذه المجموعات العرقية هي الآفار، والروس، والدارجين، والكوميك، والليزجين، الذين يشكلون معاً الجزء الأكبر من السكان. أما المدن الرئيسية في الجمهورية فهي محج قلعة، ديربنت، كيسليار، إزبيرباش، وبويناكسك.
الصناعات المتنوعة
تتميز البلاد بثرائها في الموارد الطبيعية، حيث تحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك، توجد رواسب من الفحم وخام الحديد والمعادن غير الحديدية والمعادن النادرة، إلا أن التضاريس الوعرة للجمهورية تعرقل بشكل كبير عملية تطوير مواردها المعدنية واستغلال الطاقة الكهرومائية.
يتركز النشاط الصناعي بشكل أساسي على موارد النفط والغاز الطبيعي، خصوصاً في السهل الساحلي بالقرب من محج قلعة وإزبرباش، وتشمل الصناعات الأخرى هندسة الطاقة، وإنتاج مواد البناء، وصناعة الأخشاب، والزجاج، وتجهيز الأغذية. وتُعتبر صناعة الحديد وصناعة السجاد من الحرف التقليدية المعروفة في المنطقة.
ويعتمد غالبية سكان الجمهورية على الزراعة كمصدر رئيسي للرزق، مع التركيز بشكل خاص على تربية الماشية؛ نظراً لأن 15% فقط من أراضي الجمهورية صالحة للزراعة، حيثُ تُربّى الأغنام بكثافة في هذه المنطقة.
ويتم ري سفوح التلال، وكذلك منطقة دلتا نهر تيريك والسهل الساحلي، لزراعة الخضروات والفواكه مثل الكرز والمشمش والتفاح والكمثرى والبطيخ. أما المحاصيل الحبوب الرئيسية فهي القمح والذرة والأرز (خاصة في دلتا تيريك).
تاريخها
بحسب موسوعة NEW WORLD ENCYCLOPEDIA، تأتي أقدم السجلات المكتوبة عن تاريخ البلاد من جورجيا وأرمينيا القديمتين، حيث عاش السكان في مناطق نائية صعبة الوصول، لكنهم لم يُحموا من الغزاة بفضل العزلة.
السكيثيون، أمة من الرعاة الرحل الذين يتحدثون اللغات الإيرانية، سيطروا على سهول بونتيك بين حوالي 770 قبل الميلاد والقرن الثالث قبل الميلاد. زاد ازدهارهم من التجارة بين الشمال واليونان، وعبروا عن تنوعهم الاقتصادي بزراعة الحبوب والتجارة بالمنتجات الأخرى.
السارماتيون، شعب إيراني أصلي، هاجروا من آسيا الوسطى إلى جبال الأورال في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم استقروا في جنوب أوروبا وشرق البلقان. تحالفوا مع الهونن وهو شعب من الرحل عاش في آسيا الوسطى وازدهروا في القرن الرابع الميلادي، ووصفهم هيرودوت بأنهم شقر وبدينون.
الألبان القوقازيون، جزء من الشعوب الأيبيرية القوقازية، كانوا السكان الأصليين لجنوب الجمهورية وأذربيجان الحديثة، وعاشوا تحت سيطرة إمارات متعددة مثل إمارة دربند وشيروان منذ القرن الثامن.
تعرضت ألبانيا القوقازية للغزوات المتكررة، بما في ذلك من الرومان والساسانيين والسلجوقيين، ما أدى إلى تأثيرات كبيرة على السكان المحليين والثقافة في المنطقة.
هذه المجتمعات المختلفة تركت أثراً في تاريخ داغستان رغم التحديات التي واجهتها المنطقة بسبب العزلة الجغرافية.
المحاولات العربية لفتح داغستان
تمتلك داغستان تاريخاً طويلاً من التأثيرات الثقافية والدينية التي بدأت منذ القرون الأولى للإسلام. بدأت المحاولات
العربية لفتح داغستان في القرن السابع، وخلال حكم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، تم إنشاء قاعدة في ميناء دربند في النصف الأول من القرن الثامن.
خلال القرون الرابع والخامس، كانت داغستان جزءاً من الدولة الألبانية القوقازية، وكانت المنطقة تعرف بانتشار المسيحية في مناطقها الساحلية والجبلية. عندما وصل العرب إلى هذه المنطقة، اعتنق عدد من القبائل الإسلام، واستمرت عملية تحول باقي القبائل إلى الإسلام حتى القرن السادس عشر وما بعده.
أقام العرب المسلمون تحصينات في دربند للحماية من هجمات الخزر، وأسهمت الهجرات الواسعة من المشرق
العربي في وجود ثقافي
عربي دائم في المنطقة.
استقر عدد كبير من العائلات
العربية في داغستان، وتم نشر اللغة
العربية وثقافتها بفضل انتشار الإسلام منذ القرن السابع حتى القرن السادس عشر.
منذ القرون المبكرة، استقرت عشرات الآلاف من العائلات القادمة من العراق وسوريا والجزيرة
العربية ومناطق أخرى في دربند وجنوب داغستان، حيث كانت هذه المنطقة تجذب المهاجرين العرب بشكل كبير، كما شهدت داغستان نشراً واسعاً للإسلام واللغة العربية، وتأسيس مدارس ومكاتب لتعليم اللغة
العربية كلغة دينية وعلمية.
تطورت اللغة العربية كوسيلة اتصال رئيسية في داغستان، بينما وصلت المخطوطات من المشرق العربي وشارك الداغستانيون في نسخها وتأليفها. منذ القرن العاشر، كانت الداغستانيون يكتبون مخطوطات باللغة العربية، ما جعلها لغة وسيطة هامة لفترة طويلة بين شعوب داغستان المتعددة ولغاتهم المختلفة.
المعالم التاريخية
تتمتع البلاد بغنى المعالم التاريخية والمباني القديمة التي تشكل جزءاً أساسياً من تراثها الثقافي، ومن بين هذه المعالم:
*مدينة دربند: تُعد أقدم مدن المنطقة، حيث يعود تاريخها لنحو خمسة آلاف عام. تضم في طياتها قلعة نارين، التي شُيدت في العصور الوسطى، وتعد أحد المعالم الرئيسية للمدينة. كما يوجد في دربند أقدم مسجد في روسيا، المعروف باسم مسجد قرة محج، الذي بُني عام 733 م.