شغل منصب المدعي العام في البلاد، وتولى منصب رئيس السلطة القضائية واهتم بمحاربة الفساد ومحاكمة العديد من رجال
الدولة الضالعين في قضايا سوء التسيير، ورفع شعار "عدو المفسدين" في حملته الانتخابية التي نجح فيها رئيسا للبلاد سنة 2021.
*المولد والنشأة
ولد إبراهيم رئيسي الساداتي يوم 14 ديسمبر/كانون
الأول 1960 في حي نوغان بمدينة مشهد (125 كيلومترا جنوب غرب طهران) عاصمة محافظة خراسان رضوي.
وقد تزامن مولده مع قيام الثورة البيضاء التي قادها محمد رضا بهلوي، وقللت من سطوة المؤسسة الدينية ونفوذها.
نشأ رئيسي في عائلة متدينة بمدينة مشهد، تتحفظ على الإصلاحات التعليمية الهادفة إلى التغريب والعلمنة.
كان والده رجل دين من منطقة دشتك في
مدينة زابل بمحافظة سيستان، وتوفي عندما كان إبراهيم في السنة الخامسة من العمر، فتربى يتيما، لكنه حظي برعاية رجال الدين الذين أشرفوا على تكوينه وتوجيهه وتعليمه.
وهو متزوج من جميلة علم الهدى، ابنة العالم أحمد علم الهدى، إمام الجمعة وممثل المرشد الأعلى في مدينة مشهد.
فتحت له مصاهرة علم الهدى الطريق لنسج العلاقات مع الشخصيات السياسية والدينية في البلاد، واكتسب بذلك نفوذا داخل المؤسسة الدينية.
وتحمل زوجته دكتوراه في التربية، وهي أستاذة العلوم التربوية في جامعة بهشتي بطهران، ولديهما بنتان وحفيدان.
الدراسة والتكوين
تلقى بواكير تعليمه في الحوزات الشيعية، وعلى يد عدد من الشخصيات العلمية الدينية، مثل محمود هاشمي شهرودي وأبو القاسم الخزعلي وعلي مشكيني.
وفي العام 1975 انتسب إلى المعهد الإسلامي بمدينة قم وكان عمره آنذاك 15 سنة، وبعد ذلك انتسب إلى جامعة شهيد مطهري حتى أحرز شهادة الدكتوراه في تخصص الفقه الإسلامي والقانون القضائي.
التجربة المهنية والسياسية
بدأ مشواره المهني في مرحلة مبكرة من عمره، إذ دخل القضاء سنة 1980 نائبا عاما وهو في سن العشرين، وتنقل بين محافظات عدة بمركزه القضائي حتى عين نائبا للمدعي العام في طهران عام 1985.
وخلال هذه الفترة اكتسب تجربة كبيرة في أروقة القضاء حتى أمسك ملفات حساسة ومهمة للنظام الإيراني، وأصبح عضوا في ما تعرف بـ"لجنة الموت"، وهي هيئة تتكون من 4 قضاة ترجع لهم مسؤولية محاكمة السجناء المعارضين للثورة.
وفي عام 1990 ارتفع سهمه في أروقة القضاء وزادت الثقة به وعُين مدعيا عاما في طهران بأمر من رئيس السلطة القضائية حينها محمد يزدي.
وقد تقلب بين مناصب قضائية عدة، ونسج علاقات قوية مع المرشد
الأعلى علي خامنئي، الذي اختاره عام 2016 مسؤولا عن مؤسسة "آستان قدس رضوي"، وهي مؤسسة وقفية دينية لها ميزانية تقدر بمليارات الدولارات، وتمتلك أكثر من 30 من الشركات والمصانع والمناجم، ولها أذرع اقتصادية متعددة ومتنوعة.
وتتبع لهذه المؤسسة إدارة شؤون المراقد الدينية في
مدينة مشهد، ولا يكون مسؤولا عنها إلا من لديه نفوذ وصلات قوية مع القيادة العليا للنظام الإيراني.
وفي سنة 2017 خاض الانتخابات الرئاسية مرشحا لحزب المحافظين، لكنه خسر أمام حسن روحاني في ولايته الثانية.
وعندما أصبح رئيسا للسلطة القضائية عام 2019 رفع شعار محاكمة المفسدين، وحقق مع كثير من السياسيين وأبعدهم عن دائرة الضوء بتهم سوء التسيير.
استمر في ملف محاربة الفساد، وجعل شعار حملته في الانتخابات الرئاسية 2021 "عدو المفسدين"، وهو ما سهل له كسب الرهان والنجاح في الرئاسة بنسبة 62%.
*انتهاكات واتهامات
تتهمه المعارضة الإيرانية في الخارج بالمسؤولية عن تصفية المعارضين اليساريين، والكثير من القيادات في منظمة "مجاهدي خلق" الذين شملتهم عقوبة الإعدام نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وهي الفترة التي كان فيها رئيسي ضمن التشكيلة القضائية التي عرفت عند الإيرانيين بـ"لجنة الموت".
وفي سنة 2016 ظهر تسريب صوتي يعود إلى حقبة الثمانينيات كشف فحوى اجتماع بين آية الله حسين علي منتظري وبعض المسؤولين القضائيين -من ضمنهم رئيسي- الذين تم تكليفهم بملف السجناء السياسيين.
وفي التسجيل المسرب قال منتظري إن اللجنة قامت بعمليات إعدام شملت النساء الحوامل والفتيات في سن الـ15.
وحسب تقارير منظمة العفو الدولية (أمنستي)، فإن لجنة الموت أعدمت 5 آلاف شخص، فيما تقول منظمة مجاهدي خلق إن العدد تجاوز 30 ألف شخص.
وعام 2019 أدرجت وزارة الخزانة الأميركية اسم إبراهيم رئيسي ضمن مسؤولين إيرانيين في لائحة العقوبات الأميركية.
*الوظائف والمسؤوليات
تقلد رئيسي الكثير من الوظائف، وأغلبها كان مرتبطا بمجال القضاء والمحاكم والمجالات الشرعية، ومن أهم المناصب التي شغلها ما يلي:
*المدعي العام لمدينة كرج عام 1980.
*المدعي العام في همدان عام 1982.
*نائب المدعي العام في طهران 1985.
*عضو اللجنة القضائية الخاصة بمحاكمة السجناء، والتي عرفت بـ"لجنة الموت" سنة 1988.
*المدعي العام في طهران عام 1990.
*المفتش العام للقضاء عام 1994.
*وخلال الفترة الممتدة بين 2004 و2014 شغل منصب نائب رئيس السلطة القضائية.
*المدعي للمحكمة الخاصة لرجال الدين مع احتفاظه بمنصبه نائبا لرئيس السلطة القضائية عام 2012.
*المدعي العام لإيران عام 2014.
*رئيس هيئة "آستان قدس رضوي".
*سنة 2017 عين سادنا لضريح الإمام الرضا الذي يزوره سنويا ملايين من الشيعة.
*عضو منذ عام 2006 في مجلس خبراء القيادة الذي يختار خليفة المرشد.
*عضو بجمعية رجال الدين ومجمع تشخيص النظام.
*وفي عام 2019 تم تعيينه رئيسا للسلطة القضائية باختيار من المرشد خامنئي، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى نجح في الانتخابات وتسلّم رئاسة البلاد.
المؤلفات
كتب رئيسي الكثير من المقالات والبحوث المتعلقة بالفقه والقانون وإصلاح النظام القضائي، ومن أهمها:
تقارير حول قواعد الفقه (ما يتعلق بالقضاء).
تقارير لدراسة قواعد الفقه (القسم الاقتصادي).
تقارير لدراسة قواعد الفقه المتعلقة بالعبادات.
وفاته في تحطم طائرة
في يوم الاثنين 20 مايو/أيار 2024 أعلنت إيران وفاة رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين إثر تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقلهم في محافظة أذربيجان الشرقية شمالي غربي البلاد.
وتحطمت المروحية -التي فقد الاتصال بها بعد نصف ساعة من إقلاعها- في منطقة جلفا الجبلية الوعرة في اليوم السابق (الأحد 19 مايو/أيار 2024) وسط ظروف جوية صعبة خلال عودة الوفد من حفل حضره صباح اليوم نفسه مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف لتدشين سد مشترك على نهر آراس الحدودي بين البلدين.
وجاء الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومرافقيهما بعد عملية بحث صعبة شاركت فيها عشرات من فرق الإنقاذ وسط ضباب كثيف ورياح شديدة.
*4 محطات مهمة في حياة الرئيس الإيراني الراحل
واخترات صحيفة "واشنطن بوست" 4 محطات رئيسية قالت إنها كانت العناوين الأبرز في حياة رئيسي الذي لقي حتفه إثر تحطم مروحية كانت تقله في رحلة داخلية:
أولا: تدرج سلم القضاء
كان رئيسي، المولود في
مدينة مشهد شمال شرق إيران، في الـ20 من عمره عندما تم تعيينه مدعيا عاما في
مدينة كرج، وفي السنوات التالية، شق طريقه عبر النظام القضائي الإيراني، ودافع عن الجمهورية الإسلامية الوليدة ضد المعارضين، ليشغل بعد ذلك منصب المدعي العام في طهران، ورئيس مكتب التفتيش العام لمكافحة الفساد والمدعي العام للمحكمة الخاصة برجال الدين.
وفي نهاية المطاف، ارتقى رئيسي إلى أحد أقوى الأدوار في الحكومة: رئيس السلطة القضائية، وهناك عزز صورته كزعيم لمكافحة الفساد بينما كان يعمل أيضا على تطهير معارضي النظام.
وقد ربطته جماعات حقوق الإنسان، وفقا للصحيفة، بعمليات الإعدام ذات الدوافع السياسية والسجن غير العادل. وقالت منظمة العفو الدولية إن رئيسي كان "عضوا في "لجنة الموت" التي "اختفت قسرا" بناء على أوامر الخميني وأعدمت آلاف المعارضين في سجون قرب طهران عام 1988 مع اقتراب حرب إيران مع العراق من نهايتها.
ثانيا: انتخابه رئيسا للبلاد 2021
أدى فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 على حسن روحاني، الرئيس المعتدل نسبيا، إلى إعادة القيادة المنتخبة إلى المتشددين، مما أتاح توطيدا مذهلا للسلطة، وفقا للصحيفة.
وذهبت واشنطن بوست إلى أن انتخاب رئيسي لم يكن مفاجئا، إذ كان يُنظر إليه على أنه مرشح خامنئي، وتحركت المؤسسة الدينية للترويج لانتخابه.
ولفتت الصحيفة إلى أن رئيسي ورث
دولة تواجه عدة أزمات، بما في ذلك جائحة فيروس كورونا، والاضطرابات والاحتجاجات المناهضة للحكومة، واقتصادا مسحوقا بسبب العقوبات، وصراعا واسع النطاق مع إسرائيل، وجمودا في المفاوضات مع القوى العالمية بشأن إحياء الاتفاق النووي.
ثالثا: سحق الانتفاضة المناهضة للحكومة بعامي 2022 و2023
أشعلت وفاة مهسا أميني، وهي شابة تبلغ من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها لدى الشرطة، بتهمة انتهاك القواعد الصارمة لملابس النساء في إيران، انتفاضة شعبية، وهي واحدة من أخطر التحديات التي واجهت المؤسسة الدينية منذ ثورة 1979، وفقا لواشنطن بوست.
واحتشد آلاف الإيرانيين، بقيادة النساء والشباب، للتعبير عن استيائهم من القمع والإهمال الاقتصادي، لكن الحكومة، بقيادة رئيسي، ردت بإرسال قوات الأمن لقمع الاحتجاجات، مما أسفر عن مقتل المئات وإصابة واعتقال الآلاف، وفقا لجماعات حقوق الإنسان.
رابعا: الهجوم على إسرائيل في أبريل 2024
وتقول واشنطن بوست إن إيران انخرطت في حرب ظل ضد إسرائيل طيلة عقود من الزمن، مشيرة إلى أن حدة التوتر بين الطرفين بلغت ذروتها في أبريل/نيسان 2024 عندما شنت إيران أول هجوم عسكري مباشر على إسرائيل، وذلك بإطلاقها أكثر من 300 صاروخ ومسيرة باتجاه إسرائيل.
وقالت إيران إن الهجوم جاء ردا على غارة جوية إسرائيلية على مجمع دبلوماسي في دمشق بسوريا أسفرت عن مقتل قادة إيرانيين كبار.
ويبدو، حسب الصحيفة، أن القصف الإيراني الذي قالت إسرائيل إنه تم اعتراض 99% منه، كان بمثابة استعراض للقوة ومخرجا لتجنب توسيع الصراع في الشرق الأوسط وسط استمرار حرب إسرائيل على غزة.