*الدول الأكثر تلوثاً
تركّزت بعض الأماكن الأكثر تضرراً في
الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط وجنوب آسيا. احتلت بنغلادش وباكستان والهند وطاجيكستان وبوركينا فاسو قائمة
الدول الخمس الأكثر تلوثاً في عام 2023، مرجحة بعدد السكان، وفقاً لتقرير صادر عن شركة "آي كيو إير" (IQAir)، السويسرية المتخصصة بصناعة أجهزة مراقبة
جودة الهواء وتقنيات تنقيته. (يحذّر التقرير من أن الصورة في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية غير مكتملة، لأن 24
دولة فقط من أصل 54
دولة لديها بيانات كافية يمكن إدراجها). في الوقت نفسه، فقد سجلت بولينيزيا الفرنسية وموريشيوس وأيسلندا أقل نسبة تلوث للهواء.
تُعتبر نيودلهي، ودكا في بنغلادش، وواغادوغو في بوركينا فاسو، ودوشانبي في طاجيكستان، وبغداد، العواصم الأكثر تلوثاً وفق تقرير "آي كيو إير". كانت العواصم ذات التركيزات الأقل من (PM2.5) في الغالب في أوقيانوسيا والدول الإسكندنافية ومنطقة البحر الكاريبي، حيث شملت ويلينغتون، ونيوزيلندا، وريكيافيك، وأيسلندا، وهاميلتون، وبرمودا.
*مصادر التلوث
يُعتبر أحد أكثر أشكال تلوث الهواء شيوعاً، هو تركز جزيئات (PM2.5) الذي يقتل عدداً أكبر من الناس أكثر من أي ملوث آخر"، وفقاً لما قالته غلوري دولفين هامز، رئيسة "آي كيو إير" التنفيذية في أميركا الشمالية، التي بدأت إصدار تقارير
جودة الهواء العالمية السنوية منذ 2017.
تختلف مصادر تلوث (PM2.5) على نطاق واسع، بدءاً من أفران الطوب في بنغلادش، وصولاً إلى التعدين في أميركا اللاتينية. لكن المصدر الرئيسي هو حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. تسبب تلوث الهواء الخارجي، الناجم في المقام الأول عن تركز جزيئات (PM2.5)، بأكثر من 4 ملايين حالة وفاة مبكرة في جميع أنحاء العالم، وفقاً لمنظمة
الصحة العالمية. كما وجد تحليل منفصل بقيادة باحث في "معهد ماكس بلانك للكيمياء" في ألمانيا أن الوقود الأحفوري مسؤول عن 65% من تلك الوفيات.
"أول ما يجب فهمه حول جزيئات (PM2.5) هو أنه مزيج معقد للغاية من الغازات والجزيئات العالقة في الهواء، ويتم تعريفه بالحجم"، وفقاً لما قالته ميسباث داودا، أستاذة مساعدة في "العدالة
الصحية والبيئية" في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، التي لم تشارك في تحليل "آي كيو إير".
يرمز اختصار (PM) إلى الجسيمات، ويمثل 2.5 حجمها -2.5 ميكرون، أو 1/30 خصلة واحدة من شعر الإنسان. يُعد حجم التلوث الصغير التي تسببه جزيئات (PM2.5) هو الذي يجعله مميتاً.
*تهديد كبير
تُعتبر الجسيمات "صغيرة بما يكفي للتسلل إلى أجهزة الأعضاء المختلفة للجسم وسريانها بمجرى الدم. ويمكن أن تسبب التهاب الرئتين والجهاز التنفسي، ما يجعلها شديدة الضرر للصحة".
يرتبط تلوث (PM2.5) بزيادة معدلات الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية، كما يمكن أن يسبب ما يعرف باسم الإجهاد التأكسدي، وهو بشكل أساسي الإجهاد الذي يدمر خلايا الجسم بشكل أسرع مما يمكنها إصلاح نفسها. يرتبط الإجهاد التأكسدي بمجموعة متنوعة من الأمراض التي تتراوح من مرض باركنسون إلى السرطان. أظهرت الأبحاث الحديثة أن التعرض لـ(PM2.5) قد يؤثر أيضاً على نمو الدماغ، ما يُعتبر مصدر قلق بالنسبة إلى الأطفال، وفق ما قالته داودا.
تُعتبر تداعيات وتأثيرات هذا النوع من التلوث حتى بتركيزات متواضعة، حادة لدرجة أنه في عام 2021، شددت منظمة
الصحة العالمية إرشاداتها الموصى بها من متوسط 10 ميكروغرام لكل متر مكعب إلى 5 ميكروغرام لكل متر مكعب اليوم. لكن وجدت "آي كيو إير" أن عدداً قليلاً جداً من البلدان بقيت دون هذه العتبة.
*الاختلاف عبر المسافات
يجمع تحليل "آي كيو إير" البيانات من المصادر الحكومية -مثل بيانات
جودة الهواء التي تتبعها الهيئات التنظيمية، مثل وكالة حماية البيئة الأميركية- بالإضافة إلى البيانات الصادرة عن أجهزة الاستشعار منخفضة التكلفة مثل تلك التي تنتجها "آي كيو إير". في الوقت الذي تكلف أجهزة الرقابة التنظيمية آلاف الدولارات، فإن أجهزة "آي كيو إير" وأجهزة الاستشعار المماثلة تكلف بضع مئات الدولارات.
قالت داودا: "توفر أجهزة الاستشعار منخفضة التكلفة طريقة للإعدادات محدودة الموارد للبدء في مراقبة
جودة الهواء"، مُضيفةً: "هناك العديد من الحالات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل حيث تكون تكلفة أجهزة الاستشعار التنظيمية مكلفة للغاية بحيث لا يمكن نشرها في شبكة كبيرة وتوفير معلومات دقيقة".
تُعتبر المعلومات
الدقيقة مهمة للغاية، لأن التلوث يمكن أن يختلف بشكل كبير عبر المسافات. يشير التقرير إلى أن بعض المدن التي تسجل مستويات تلوث مرتفعة في منطقتها -مثل جنوب تانغيرانغ في إندونيسيا، وروكليا في أستراليا، وبينوني في جنوب إفريقيا- تقع داخل البلدان التي تسجل بعض أدنى مستويات التلوث في تلك المنطقة. كما يمكن أن يسجل موقعان داخل المدينة نفسها مستويات تلوث هواء متباينة للغاية، اعتماداً على ما إذا كانت تلك المناطق تقع بالقرب من حديقة أو محطة توليد الكهرباء.
قالت داودا: "عندما تحاول تحديد المستويات العالية التي قد تكون موجودة في بعض المناطق داخل المدينة، لن يتم التقاطها وتحديدها بواسطة شبكة ليست كثيفة بما فيه الكفاية، أو مجرد جهازي رصد خارج المدينة تماماً".
*أجهزة الاستشعار التنظيمية محدودة
حتى في البلدان مرتفعة الدخل، قد تكون أجهزة الاستشعار التابعة لأجهزة تنظيمية محدودة.
صنفت "آي كيو إير" كلاً من كولومبوس في ولاية أوهايو، باعتبارها المدينة الرئيسية الأكثر تلوثاً داخل الولايات المتحدة. لكن لا يوجد سوى جهازي استشعار تنظيميين لمدينة تمتد على مساحة 226 ميلاً مربعاً (585 كيلومتراً مربعاً)، وفقاً لدولفين هامز، التي قالت إن "تقريرنا يكمل تلك البيانات، إلى جانب 19 جهاز استشعار (منخفض التكلفة)".
يمكن أن يساعد فهم
جودة الهواء الخارجي الأشخاص على التخفيف من حدة المخاطر التي قد يشهدونها، مثل الامتناع عن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق عندما تكون مستويات (PM2.5) مرتفعة أو ارتداء أقنعة عالية التنقية مثل (N95) أو (KF94) أو (KN95) أو تشغيل مرشح "هيبا" لتنقية الهواء في الأماكن المغلقة.
*تأثير الرياح
لا تخلو أجهزة الاستشعار منخفضة التكلفة من مجموعة التحديات الخاصة بها -يمكن أن تكون المعايرة صعبة- لكنها مفيدة في توفير تقدير نسبي بشأن المكان الذي قد تكون فيه مشكلة. قد تقدم هذه الأجهزة المعلومات الوحيدة المتوفرة لدى المناطق التي تفتقر إلى أجهزة الاستشعار التنظيمية.
على الرغم من أن الاستنتاجات العامة للتقرير قاتمة، إلا أنه يشير إلى بعض النقاط التي تبعث على التفاؤل. على سبيل المثال، خطت الصين، بعد أن أصبحت مرادفاً لنوعية الهواء السيئة، خطوات حقيقية على مدى العقدين الماضيين. كما سجلت تشيلي تراجعاً بنسبة 15% في تلوث PM2.5 من عام 2022 على الرغم من تعاملها مع دخان حرائق الغابات في فبراير الماضي، فيما انخفض المتوسط السنوي لتركيز PM2.5 في جنوب أفريقيا بمقدار مماثل.
أشارت دولفين هامز إلى أن خلاصة الأمر لا تتعلق فقط بوصول تلوث PM2.5 إلى مستويات مرتفعة بشكل خطير، لكنه لا يبقى في المكان الذي نشأ فيه وحده. وهذا ما يُعرف بالتلوث العابر للحدود.
يمكن أن يكون للرياح السائدة تأثير كبير على
جودة الهواء المحلي- إذ تتمتع العديد من البلدان في منطقة البحر الكاريبي بجودة هواء جيدة جزئياً لأن الرياح السائدة تنشر التلوث لأماكن أبعد. من ناحية أخرى، شهدت كوريا الجنوبية منذ فترة طويلة مستويات مرتفعة من تلوث (PM2.5)؛ لأن الرياح تحملها من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بحرق الفحم في شمال الصين. وعلى نحو متزايد، مع تفاقم حرائق الغابات الناجمة عن تغير المناخ، يتحرك هذا التلوث أيضاً.
قالت دولفين هامز: "تسببت كندا بنشر المصدر الرئيسي لتلوث PM2.5 داخل الولايات المتحدة، من خلال حرائق الغابات" في العام الماضي. وحملتها الرياح السائدة ووزعتها عبر الولايات المتحدة، لتطال العديد من المدن داخل الشمال الشرقي، والغرب الأوسط".