وتسبب شح المياه بالفعل في نزوح الآلاف وتفاقم انعدام الاستقرار، وفقاً لخبراء دوليين، فيما اعتبرت الأمم
المتحدة العراق خامس أكثر
دولة تأثراً بأزمة المناخ.
وفي
الجنوب الغني بالنفط، وشديد الجفاف في الوقت ذاته، تحولت الأهوار التي كانت مصدر رزق مجتمعات بأكملها إلى قنوات موحلة.
وأشار التقرير إلى أن "الشركات تحتاج في عملية استخراج النفط إلى ضخ كميات كبيرة من المياه في باطن الأرض. فمقابل كل برميل نفط، الذي يُصدّر الكثير منه إلى أوروبا بعد ذلك، تضخ 3 براميل من المياه في الأرض، ومع ارتفاع صادرات
العراق من النفط، انخفضت مياهه انخفاضاً هائلاً".
إذ يُظهر تحليل لصور أقمار صناعية كيف أن سداً صغيراً بنته شركة النفط
الإيطالية Eni إيني، التي تعمل في
العراق منذ عام 2009، لتحويل المياه من قناة
البصرة إلى محطتها الخاصة بمعالجة المياه، يمنع فيضانات موسمية في المنطقة.
فيما يستحوذ مصنع آخر قريب، تستخدمه شركات نفطية من ضمنها بريتيش بتروليم BP وإكسون موبيل ExxonMobil على 25% من استهلاك المياه اليومي في منطقة يبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين شخص.
بينما تدير مصنع كرمة علي، على بُعد 8 كيلومترات جنوب مصنع إيني، شركة الرميلة (ROO)، التي تتألف من شركة بريتيش بتروليوم وشركة بتروتشاينا وشركة نفط
الجنوب العراقية. وتأتي مياه هذا المصنع مباشرة من قناة عبد الله، التي تعيد توجيه المياه العذبة من أحد الأنهار قبل أن تصل إلى شط العرب، النهر المتكون من التقاء نهري دجلة والفرات، ومصدر المياه الرئيسي في
البصرة.
من جهته، يقول روبرت ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، وهي شركة استشارية مستقلة، ومعدّ تقرير صدر عام 2018 عن حقن المياه في العراق: "بشكل عام، الحجم المطلوب من المياه للحقن ليس ضخماً، ولكن في المناطق التي تعاني شحاً مائياً، فقد تتسبب في مشكلات خطيرة".
وتابع: "في البصرة، التي تعاني مشكلات مائية مروعة، يتعين على شركات النفط إيجاد بدائل للمياه العذبة".
والبدائل موجودة، ففي السعودية، جارة
العراق التي تعاني مشكلات مائية مماثلة وتضم ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، تُؤخذ المياه اللازمة للحقن من البحر.
وفي العراق، نوقش إنشاء مشروع لتوفير مياه البحر منذ أكثر من عقد، ولكن لم يُتخذ أي إجراء حتى الآن. وقال ميلز: "وزارة النفط لا تملك ميزانية كافية، وشركات النفط لا ترغب في الدفع".
وفي العقد الذي يسبق عام 2019، قد زاد
العراق إنتاجه من النفط الخام بأكثر من الضعف، بل زاد إنتاجه منذ الغزو
الروسي لأوكرانيا عام 2022. وذلك العام، ارتفعت صادرات النفط العراقي إلى أوروبا بنحو 40%.
في غضون ذلك، قال وليد الحامد، رئيس هيئة البيئة في جنوب العراق: "على عكس البلدان الأخرى التي تعمل فيها، معظم شركات النفط الأجنبية في
العراق لا تفعل شيئاً للحد من تأثيرها البيئي: فمن الأرخص لها الاستمرار في تلويث البيئة".
وفي وثيقة اطلعت عليها صحيفة الغارديان، كانت إيني وبريتيش بتروليم من بين الشركات المفروض عليها غرامات. لكن الكثير من هذه الغرامات، بحسب الحامد، لم تُدفع.
وحرق الغاز الطبيعي- المرتبط باستخراج النفط- مصدر قلق خطير أيضاً. فعام 2018، تجاوز الغاز الذي أُحرق في دائرة نصف قطرها 70 كم من
البصرة إجمالي حجم حرق الغاز في السعودية والصين وكندا والهند مجتمعة.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى إحراق 2.5 مليار متر مكعب من الغاز في حقل الزبير وحده العام الماضي، رغم مزاعم إيني في تقريرها السنوي لعام 2021 أن الشركة مسؤولة عن أقل من نصف هذا الرقم على مستوى العالم.
إذ قالت شركة إيني في بيان إنها تقود اتحاد الشركات التي تعمل في حقل الزبير، لكنها ليست المسؤولة عن التشغيل، ولا سيطرة لها على "استراتيجية الحقل، أو الحرق… وهما مسؤولية شركة نفط البصرة، الشركة العراقية الوطنية المسؤولة عن النفط في جنوب البلاد".
الشركة أوضحت أنها غير مسؤولة عن الغرامات التي تفرضها هيئة البيئة، وأن المسؤولة عن دفعها شركة نفط
البصرة التي تدير الحقل المعني، لافتة إلى أن شروط العقد "تعفيها صراحة من أي مسؤولية عن حرق الغاز أو مشاريع خفض الحرق أو تعويض المجتمع".
بدورها، قالت شركة بريتيش بتروليم إنها ليست مسؤولة عن الغرامات المدرجة في الوثائق، وإن الحقل المعني تديره شركة الرميلة، وهي شركة أسستها وتمتلك 47.6% من أسهمها.