وكالة الإعلام الروسية نقلت، الإثنين 30 كانون الثاني، عن
نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف قوله إنه ليس من المنطقي أن تجري روسيا محادثات مع أوكرانيا أو
الدول الغربية التي "تحركها كالدُّمى" بعد أن قررت الولايات
المتحدة تزويد أوكرانيا بدبابات.
كانت ألمانيا قد وافقت على إرسال دبابات ليوبارد وقررت
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إرسال دبابات أبرامز إلى أوكرانيا، في تجاهل واضح للخطوط الحمراء التي كانت برلين وواشنطن وباقي حلفاء كييف قد التزموا بها منذ بداية الحرب، التي تصفها موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر".
بعد الدبابات، هل يرسل الغرب طائرات إلى أوكرانيا؟
كان جو بايدن قد أعلن، الأربعاء 25 كانون الثاني، أن واشنطن سترسل إلى أوكرانيا 31 دبابة من طراز "أبرامز إم 1" بما يعادل "كتيبة دبابات"، مشيراً إلى أن تسليمها يحتاج "إلى بعض الوقت"، موضحاً أن موعد تسليم أوكرانيا تلك الدبابات المتطورة يتوقف على مدى جاهزية قواتها والاستعداد لاستخدامها.
كما كشف الرئيس الأمريكي أن ألمانيا بصدد تزويد أوكرانيا بمنظومة صواريخ باتريوت، وذلك بعد موافقة برلين على تزويد أوكرانيا بـ14 دبابة من طراز ليوبارد 2، والسماح لدول حليفة مثل بولندا بإرسال هذا النوع من الدبابات إلى كييف.
وبعد أيام قليلة من تعهد برلين بتزويد كييف بالدبابات، استبعد المستشار الألماني أولاف شولتز إرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا، محذراً من حرب المزايدة على الأسلحة. لكن أوكرانيا تطلب من
الدول الحليفة تشكيل "تحالف طائرات مقاتلة" لتعزيز قدراتها.
وقالت الولايات
المتحدة إنها ستناقش فكرة توريد الطائرات "بعناية شديدة" مع كييف يوم الخميس 2 شباط. لكن في مقابلة مع صحيفة تاغس شبيغل، قال شولتز إن تركيزه ينصب على تسليم دبابات ليوبارد 2 الألمانية الصنع إلى أوكرانيا.
لكن لا أحد يمكنه الجزم بإذا ما كان موقف شولتز من إرسال طائرات إلى أوكرانيا سيظل صامداً في حال وافقت
إدارة بايدن على ذلك المطلب الأوكراني، قياساً على تراجع برلين عن خطوطها الحمراء والموافقة في نهاية المطاف على إرسال دبابات ليوبارد بعد الرفض على مدى أسابيع.
وبحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، يثير قرار الغرب إرسال دبابات إلى أوكرانيا في طرح البعض السؤال المزعج: هل هذا يعني دخول حلف شمال الأطلسي "الناتو" الآن في صراع مباشر مع روسيا؟
من وجهة نظر الكرملين، فإن الناتو يسعى إلى تدمير روسيا، وهو ما يتوافق مع رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحلفائه ويساعد في تبرير الهجوم على أوكرانيا، واحتلال مناطق من أراضيها.
كما تدفع هذه الرواية أيضاً حلفاء الناتو إلى التمهّل في التفكير عندما يتعلَّق الأمر بتحديد حجم المساعدة العسكرية، التي ينبغي تقديمها لأوكرانيا. لكن الجدل الآن في واشنطن مختلف تماماً، حيث يرى كثير من الخبراء أنَّه لا توجد أي دولة عضو في حلف الناتو يمكن اعتبارها في حالة قريبة من الحرب مع روسيا بموجب أي تعريف قانوني مقبول دولياً. لذا، تبدو فكرة أنَّ الحلف الغربي في حالة حرب مع روسيا غير ذي صلة.
كيف يبرر الغرب وروسيا الخطوات التصعيدية؟
ويليام ألبيركي، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أوضح لشبكة CNN أنَّ "الحرب المباشرة تتطلب هجمات تنفذها قوات أمريكية أو قوات تابعة لحلف الناتو، بالزي العسكري، ضد القوات الروسية أو الأراضي الروسية أو الشعب الروسي".
ويضيف ألبيركي أنَّ "أي قتال من جانب أوكرانيا -بأي أسلحة تقليدية- ضد أي قوات روسية لا يمكن اعتباره حرباً بين الولايات
المتحدة وحلف الناتو ضد روسيا، بغض النظر عن مدى رغبة روسيا في ادّعاء ذلك".
يشير ألبيركي إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على أنَّه "لا يوجد ما ينال من الحق الأصيل للدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح ضد أي عضو في منظمة الأمم المتحدة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن الدولي التدابير اللازمة للحفاظ على السلام والأمن الدولي".
وتابع أن "روسيا عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة وقد استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع إدانة إجراءاتها في أوكرانيا".
لكن موسكو لديها رؤيتها الخاصة بطبيعة الحال. وكان أليكساندر دوغين، الفيلسوف الروسي الملقب بأنه "عقل بوتين"، قد أكد، قبل أشهر أن الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية في خاركيف "ضربة مباشرة من الغرب ضد روسيا".
وقال دوغين في مقال له: "يعلم الجميع أن هذا الهجوم تم تنظيمه وإعداده وتجهيزه من قبل القيادة العسكرية للولايات
المتحدة والناتو، وتم تحت إشرافهما المباشر. ولم يتم ذلك فقط من خلال استخدام المعدات العسكرية للناتو، ولكن أيضاً عبر المشاركة المباشرة لمخابرات الفضاء العسكرية الغربية والمرتزقة والمدربين".
ويرى الكرملين أن الناتو هو المعتدي الرئيسي في نزاع أوكرانيا، والآن تقول موسكو إن الاستخبارات الغربية تقوم بتنفيذ هجمات ضد أهداف روسية، حيث قال سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، إن الغرب يحاول "تدمير" روسيا، بينما أكد أناتولي أنتونوف، السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، إنَّ الإدارة الأمريكية تدفع أوكرانيا إلى "تنفيذ هجمات إرهابية داخل روسيا".
وفي إطار هذه الصورة العامة، تنطوي هذه الادعاءات المتبادلة على احتمال أن تلجأ الولايات
المتحدة إلى تفعيل المادة 5 من ميثاق حلف الناتو، التي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الحلف يعتبر هجوماً على جميع الأعضاء. لم يجر تفعيل تلك المادة إلا مرة واحدة في تاريخ الحلف عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث تعرضت الولايات
المتحدة للهجوم من الإرهابيين -وليس من دولة قومية.
لكن من وجهة نظر واشنطن، تتضاءل موثوقية "الادعاءات" الروسية عند مقارنتها بالانتهاكات غير القانونية الموثقة للقوات الروسية في أوكرانيا منذ إصدار بوتين أوامره بالهجوم.
احتمالات اندلاع حرب بين روسيا والناتو
لكن القلق من تطور الأمور إلى حرب مباشرة بين روسيا والناتو، من جانب محللين ومعلقين غربيين، يصب في مصلحة الكرملين من عدة نواحٍ، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية.
يوضح جون هيربست، السفير الأمريكي الأسبق لدى أوكرانيا وكبير مديري مركز "أوراسيا" التابع للمجلس الأطلسي الأمريكي، أن ترويج فكرة أن هذه حرب بين حلف الناتو وروسيا يساعد بوتين في تبرير "الفشل في تحقيق الانتصار السريع في أوكرانيا" كما كانت تأمل روسيا أمام جمهورها المحلي.
قال هيربست لشبكة "CNN" الأمريكية: "من المفيد إظهار أن سبب فشل الحسم العسكري هو أن الجيش الروسي يخوض حرباً مع الناتو وليس مع أوكرانيا"، مضيفاً أن "هذا يساعد أيضاً في تبرير أي خطوات قد يتخذها بوتين في وقتٍ لاحق، إذ كانت روسيا حريصة على الترويج لاحتمالية تطور الصراع إلى حرب نووية".
يعتقد هيربست أن الحرب المعلوماتية الروسية على الغرب كانت أنجح كثيراً من حملتها العسكرية، من حيث إنها تسبَّبت في إثناء أشخاص على درجة عالية من الموثوقية والعقلانية في واشنطن العاصمة عن تعزيز الدعم العسكري المتزايد لأوكرانيا، لأنهم يبالغون في تقدير احتمالية استخدام بوتين للأسلحة النووية -وهو خيار سيكون كارثياً بالنسبة لروسيا أيضاً.
قال هيربست: "لا يمكنني إخبارك بعدد الخبراء الذين قالوا إن الولايات
المتحدة لا ينبغي لها تزويد أوكرانيا بأسلحة معينة، لأن بوتين سيلجأ إلى استخدام أسلحة نووية. ما رأيناه في الأشهر الستة الماضية هو اتصال أكاديميين ومفكرين في مؤسسات بحثية روسية بزملائهم في الغرب ليقولوا لهم إن بوتين بمقدوره فعل ذلك حقاً".
يعتقد مراقبو بوتين منذ فترة طويلة أن روسيا على الأرجح لن تمضي قدماً نحو تصعيد يصل إلى درجة استفزاز الناتو للرد بقوة، وذلك ببساطة لأن موسكو تعلم جيداً أنها لن تستطيع النجاة من تلك المواجهة.
مالكولم تشالمرز،
نائب مدير "المعهد الملكي للخدمات
المتحدة للدراسات الأمنية والدفاعية" في لندن، يقول إن "أحد الأهداف القليلة المشتركة بين القيادة الروسية والأمريكية حالياً هو تجنب حدوث صراع مباشر بين القوتين".
روسيا أوكرانيا
وأضاف: "تعلم روسيا أن المواجهة العسكرية مع حلف الناتو ستنتهي سريعاً لصالح الغرب. ومع ذلك، ثمة بعض المنطق في ترويج فكرة أن موسكو مستعدة لتلك المخاطرة إذا كان ذلك يعني انتزاع مزيد من التنازلات من الغرب".
اتفق العديد من المسؤولين الأوروبيين ومصادر داخل حلف الناتو مع التحليل القائل بأن لجوء بوتين إلى الأسلحة النووية هو أمر غير مرجح، على الرغم من ضرورة أخذ هذه الاحتمالية على محمل الجد والعمل على تجنَّبها، لكن ما الثمن؟
في هذا السياق، ستستمر أوكرانيا في طلب مزيد من الأسلحة والدعم من حلفائها كلما طال أمد الحرب. سيتعيَّن على كل عضو في حلف الناتو الموازنة في كل مرة بين ما إذا كان الأمر يستحق المخاطرة أم لا أو ما إذا كان التلكؤ يصب حقاً في مصلحة الكرملين.
يعتقد هيربست أن الهجوم الروسي على أوكرانيا كان بمثابة تذكير قوي للغرب بكيفية التعامل مع كرملين عدواني وأن المسؤولين الغربيين قد نسوا مؤقتاً تكتيكات الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.
يقول: "اتّبع الغرب الاستراتيجية الليّنة بسبب وجود سلام بين القوى العظمى طوال 30 عاماً. لكننا حالياً بصدد اكتشاف أشياء عرفناها جيداً في ذروة الحرب الباردة، والسبب الوحيد وراء رؤيتنا هذا الآن هو أن إحدى القوى العظمى قررت أنها لا تحب النظام العالمي القائم حالياً".
لكن هذه وجهة نظر الغرب وتقديراته بطبيعة الحال، والواضح أنه تم التوصل إليها من خلال التجربة خلال نحو عام من انطلاق الحرب. ففي البداية تردد الغرب في تزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة خشية تصاعد الأمور ووصولها إلى حرب مباشرة بين الناتو وروسيا.
لكن مع مرور الوقت وإرسال جميع أنواع الأسلحة تقريباً إلى أوكرانيا، باستثناء الطائرات والصواريخ بعيدة المدى حتى الآن، دون أن يصدر رد فعل عنيف من جانب روسيا خارج الأراضي الأوكرانية، يبدو أن ذلك يشجع الغرب أكثر على دعم أوكرانيا عسكرياً لتحقيق الانتصار وطرد القوات الروسية.
لكن ماذا لو اقتربت أوكرانيا وحلفاؤها بالفعل من تحقيق هذا الانتصار؟ كيف سيكون رد فعل بوتين؟