إذاً، ما زال
المجتمع بطيئاً في تحولاته، وهو ما تدركه السلطات الفرنسية، وما دفع الحكومة إلى تخصيص سكرتارية
دولة للمساواة بين النساء والرجال.
يتحدث تقرير "المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية" عن فروقات في ما يخص الدوام الكامل بين الرجال والنساء، تصل إلى 5.18 في المائة، بينما ترى وزارة العمل أن التمييز الخالص يصل إلى حدود 10 في المائة. ويؤكّد المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية أنه كلّما صعدنا في سلّم الرواتب، كان الفرق شاسعاً بين الجنسين. وفي إحصاءات تعود إلى عام 2015، فإن 10 في المائة من النساء صاحبات الرواتب الدنيا، كانت رواتبهن القصوى أقل بـ 7 في المائة من رواتب الرجال (أي 1300 دولار في مقابل نحو 1400 دولار). بينما كانت رواتب النساء من الوظائف العليا نفسها أقل بنسبة 21 في المائة بالمقارنة مع رواتب الرجال (نحو 3497 دولاراً في مقابل نحو 4432 دولاراً).
إلى ذلك، فإن 5 في المائة من الموظفين أصحاب الوظائف العليا يحصل الرجال منهم على رواتب تصل إلى 5155 يورو (نحو 5726 دولاراً)، فيما تحصل النساء على 3899 يورو (نحو 4331 دولاراً)، والفارق هو نحو 1256 يورو (نحو 1395 دولاراً). ويكبر الفارق في نحو 1 في المائة من الرواتب المرتفعة، إذ يحصل الرجال على 9503 يورو (نحو 10556 دولاراً) في مقابل 6317 يورو (نحو 7017 دولاراً) للنساء، ويكون الفارق قد وصل إلى 3186 يورو (نحو 3539 دولاراً). وفي المتوسط، يبلغ الفرق بين الجنسين 13 في المائة.
لكن الفوارق في الحقيقة تختلف أيضاً بحسب المستويات الاجتماعية. هي حادة بين أوساط الأطر العليا، وتصل إلى نسبة 20 في المائة. بينما تنخفض إلى 8.6 في المائة لدى المستخدمات، خصوصاً في الميادين والقطاعات التي تكون الغالبية فيها
نساء. وإذا انتقلنا من الدوام الكامل إلى الرواتب التي تم تحصيلها من أجل معرفة التفاوت، نكتشف ارتكازاً على إحصائيات وزارة العمل، أن الفارق الكلي يصل إلى 25.7 في المائة.
وفي ما يتعلق بالدوام الكامل، فإن النساء يحصلن على رواتب أقل من الرجال بنسبة 16.3 في المائة. وبحسب وزارة العمل، فإنّ أول عامل من عوامل التفاوت يرتبط بالفارق في أوقات العمل. وليس سرّاً أن النساء في معظم الأحيان يعملن بدوام جزئيّ أكثر من الرجال بأربعة أضعاف. كما أن ساعات العمل لدى الرجال تضاعفت، بسبب لجوئهم أكثر من النساء إلى ساعات عمل إضافية. لكن حتى في حال مقارنة رواتب الدوام الكامل لدى الجنسين، فإن الفارق يصل إلى 16.3 في المائة.
وحين نأخذ في الاعتبار الاختلاف في الشرائح العمرية وأنواع العقود وفترة العمل والنشاط، يبقى الفارق المتوسط كبيراً ويصل إلى 10.5 في المائة، بحسب معطيات وزارة العمل.
لكن الحكومة، ممثلة بوزارة العمل، لا تقف مكتوفة الأيدي. فقد نشرت مرسوماً يوم 13 فبراير/شباط الماضي، جاء فيه: "على عاتق كل مُشغِّل أن يَضْمَن، بالنسبة لنفس الشغل أو بالنسبة لِعَملٍ بقيمة مُساوية، مساواة في الأجور بين النساء والرجال"، وهو ما يعني أن هذا المبدأ "يَحْظُر كل تمييز في الأجور يرتكز على الجنس. وأن كل المُشغَّلين والأُجَرَاء معنيون، سواء انطبق عليهم قانون الشغل أم لم ينطبق". وهذا ينطبق أيضاً على "القطاع العام".
وتشدد الوزارة على أنه بالنسبة لشركة تشغل أكثر من 50 موظفاً، فإنه "يتوجب، من الآن فصاعداً، على المُشغِّل، وفي كل سنة، أن ينشر دليل المساواة بين النساء والرجال، انطلاقاً من مؤشرات محدّدة، ومع تقدير وقياس وضعية الشركة في منظور المساواة في الأجور بين النساء والرجال".
وحسب هذا المؤشر، يمكن لأي شركة أن تكتشف أي تقصير، ومن ثمَّ تعالجه، وإلا فإنها معرَّضَة لعقوبات مالية. ولكن هذه الإجراءات لا يمكن أن تُطبَّق بين عشية وضحاها، وهو ما تدركه الحركات النسائية، التي تظل حَذرة. فليس القرار الحكومي، مهما كان صوابه وقوته، هو ما يستطيع وحده تغيير الذهنيات المتراكمة. ويظل الأمل في الأجيال الجديدة في تصحيح هذا الحيف التاريخي، وهو ما يمكن تلمّسه في الشركات الجديدة الناشئة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التفاوت بين النساء والرجال موجود في القطاعين الخاص والعام، على الرغم من بعض الفوارق لصالح القطاع العام أحياناً. وبحسب المديرية العامة للإدارة والوظيفة العامة، فإنّ الفرق في الرواتب بين القطاعين كان 18.19 في المائة في القطاع العام سنة 2015، و22 في المائة في القطاع الخاص.
ومع أخذ الاختلافات بين مختلف قطاعات الوظيفة العامة بعين الاعتبار، يكون الفرق بين رواتب الجنسين في الوظيفة العامة الإقليمية 10 في المائة، ويرتفع إلى 17 في المائة في الوظيفة العامة التابعة للدولة، ويرتفع في الوظيفة العامة في القطاع الطبي إلى 26.44 في المائة. وما من شك في أن النساء أصبحن واعيات لهذا، ويعملن كل شيء من أجل تصحيحه. ولا تكفي مبادرات الرجال، فالأمر ليس هدية ولا تكرّماً، بل حقوق طال اغتصابها.