في هذا السياق، توقع تقرير تحليلي مفصل، ضعف تأثير زيادة إنتاج النفط المتوقعة في فنزويلا على أسواق النفط العالمية، بعد تخفيف العقوبات الأميركية ذات الطابع الجزئي المؤقت بـ6 أشهر قابلة للتمديد أو الإلغاء.
ورجح التقرير، الصادر عن
شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز المتخصصة، نمو إنتاج النفط الفنزويلي بما لا يتجاوز 200 ألف برميل يوميًا على المدى القصير، و400 ألف برميل يوميًا بحلول نهاية الصيف المقبل من عام 2024،
بحسب وحدة أبحاث الطاقة.
تفاصيل العقوبات المشروطة سياسيًا
جاء تخفيف عقوبات النفط الفنزويلي في إطار صفقة سياسية مع حكومة الرئيس الفنزويلي الحالي نيكولاس مادورو ذي الميول اليسارية، لإجراء انتخابات نزيهة تشارك فيها المعارضة ذات الميول الأميركية في عام 2024.
وأصدر مكتب
مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC)، 4 تراخيص عامة لتعليق بعض العقوبات المفروضة على فنزويلا، بعد نجاح الحكومة والمعارضة في توقيع اتفاق خريطة الطريق الانتخابية عام 2024.
وتبلغ مدة هذه التراخيص 6 أشهر يسمح فيها بمعاملات النفط والغاز بين الولايات
المتحدة وفنزويلا، لكن تجديدها سيظل معلقًا على وفاء حكومة مادرور بالتزاماتها السياسية تجاه خريطة الطريق الانتخابية، بالإضافة إلى الإفراج عن المعتقلين، بحسب بيان صادر عن وزارة الخزنة الأميركية 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتسمح بعض التراخيص بالتعامل مع شركة النفط الحكومية في فنزويلا وتصدير نفطها إلى الولايات المتحدة، كما تسمح بالتعامل التجاري مع شركة تعدين الذهب الفنزويلية المملوكة للدولة مينرفين "Minerven".
كما تنص بعض التراخيص الأخرى على تعديل الحظر التجاري الثانوي المفروض على بعض السندات السيادية الفنزويلية، مع بقاء الحظر المفروض على التداول في سوق السندات الفنزويلية الثانوية.
بينما تنص بعض التراخيص على تعديل الحظر التجاري الثانوي المفروض على التعامل في ديون وأسهم شركة النفط الفنزويلية الحكومية "بتروليوس دي فنزويلا إس إيه" (PdVSA).
ترقب لجدول الانتخابات في نوفمبر
تقول وزارة الخزانة الأميركية، إن الهدف من تخفيف العقوبات على النفط الفنزويلي وتجارة الذهب والسندات والديون الفنزويلية هو الحد من الأنشطة غير القانونية في هذه القطاعات والحيلولة دون استفادة النظام الحاكم من عوائدها.
ويمكن لهذه الإجراءات أن تنجح في الحد من تدفقات الأموال إلى حكومة الرئيس مادورو، لكن الخبرات السابقة تشير إلى أن العقوبات النظرية على الورق عادة ما يختلف تطبيقها في الواقع، وقد لا تحقق أهدافها، بل ربما حققت أهدافًا عكسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما في حالة العقوبات على روسيا، بحسب تحليل شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز.
وعلى كل حال، فأمام حكومة مادورو مهلة حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لوضع جدول زمني نهائي للانتخابات المتوقعة في عام 2024، وسط تحذيرات من الإدارة الأميركية بإعادة فرض بعض العقوبات، إذا لم تلتزم الحكومة بوضع الجدول الزمني خلال الشهر المقبل.
ورغم هذه التحذيرات والاشتراطات في قرار تخفيف عقوبات النفط الفنزويلي والعقوبات التجارية الأخرى، فإن الإدارة الأميركية قد تغض الطرف عن تنفيذ بعضها أو كلها، لحاجتها الشديدة إلى التوصل لاتفاق مع حكومة مادورو في الوقت الحالي، بحسب تحليل إنرجي أوتلوك أدفايزرز.
لا علاقة للتخفيف بأحداث الشرق الأوسط
كان التحرك لتخفيف بعض العقوبات المفروضة على فنزويلا متوقعًا منذ العام الماضي، وقد جاء نتيجة مفاوضات طويلة لا علاقة لها بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط (الهجمات الإسرائيلية على غزة).
فقد سمحت إدارة الرئيس جو بايدن العام الماضي لشركتين أوروبيتين "إيني" الإيطالية، و"ريبسول" الإسبانية، بتصدير النفط الفنزويلي إلى أوروبا، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
أما بالنسبة إلى شركة شيفرون الأميركية العملاقة، فلم تغادر فنزويلا على الرغم من عقوبات النفط الفنزويلي المفروضة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، إذ نجحت الشركة في الحصول على إعفاءات من ترمب وكذلك بايدن.
وحصلت الشركة على ترخيص في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، لإنتاج النفط الفنزويلي وتصديره إلى الولايات
المتحدة لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد.
*تأثير التخفيف في قطاع النفط الفنزويلي
تحتاج فنزويلا، صاحبة أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، إلى الخبرات والقدرات الفنية التي تتمتع بها شركات النفط والخدمات الدولية، ما يجعلها في أمسّ الحاجة إلى خبرات الشركات مثل شيفرون، وشلمبرغير لخدمات حقول النفط العالمية "SLB".
كما يحتاج قطاع النفط الفنزويلي إلى استثمارات أجنبية عاجلة، بعد سنوات من نقص الاستثمار وضعف الصيانة وهروب الكوادر والخبرات الفنية للعمل في الخارج، ما أدى إلى هبوط إنتاجها من الخام والمكثفات بصورة حادة خلال العقدين الماضيين.
وانخفض إنتاج النفط الفنزويلي بصورة كبيرة خلال العقدين الماضيين من 3.2 مليون برميل يوميًا في عام 2000 إلى 735 ألف برميل يوميًا في سبتمبر/أيلول 2023.
إنتاج النفط والسوائل الفنزويلية
وتشتد حاجة صناعة النفط الفنزويلية إلى بعض المواد المخففة المعروفة باسم البنزين الطبيعي، ويرمز لها بـ(c5)، لخلطها مع خامها الثقيل حتى يمكن نقله أو تصديره عبر خطوط الأنابيب والناقلات.
ومن المتوقع أن يُسهم تخفيف عقوبات النفط الفنزويلي في تسهيل دخول المواد المخففة إلى فنزويلا على المدى القصير، ما سيصب في صالح منتجي النفط الصخري في الولايات
المتحدة.
وتقدّر شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز حجم المواد المخففة التي يمكن للمنتجين الأميركيين تصديرها إلى فنزويلا بما لا يتجاوز 125 ألف برميل يوميًا على المدى القصير، وهي كمية صغيرة نسبيًا يتوقع تضاعفها على حسب تطورات العقوبات والصفقة السياسية المبرمة مع حكومة مادورو.
وتحتاج بعض مصافي التكرير الأميركية إلى الخام الفنزويلي الثقيل، لا سيما المصافي الواقعة على ساحل الخليج الأميركية، نظرًا إلى طبيعة قدراتها الفنية الفائقة الملائمة لتكرير ومعالجة أنواع النفط الثقيل من فنزويلا وغيرها من بلدان العالم.
وإذا توفرت المواد المخففة لفنزويلا، يمكن لها أن تضيف من 300 إلى 400 ألف برميل يوميًا في غضون أسابيع، ثم سيستقر الإنتاج لعدة أشهر حتى تبدأ نتائج الاستثمارات الجديدة ومشاركة شركات الخدمات النفطية الكبرى، وتنعكس آثارها على زيادة الإنتاج جزئيًا، بحسب تقرير سابق صادر عن إنرجي أوتلوك أدفايزرز عام 2022.
*الطفرات الإنتاجية تحتاج إلى 3 سنوات
تحتاج زيادة الإنتاج بكميات كبيرة تصل إلى مليون برميل يوميًا، إلى 3 سنوات على الأقل، استنادًا إلى مراجعة خبرات 6 دول منتجة للنفط عانت عدم الاستقرار السياسي والعقوبات، بحسب تحليل إنرجي أوتلوك.
ونجحت شركة شيفرون الأميركية في إضافة 200 ألف برميل يوميًا إلى إجمالي إنتاج النفط الفنزويلي في الوقت الحالي، يُتوقع زيادتها بمقدار 100 ألف برميل أخرى فقط على المدى القصير، كما يُتوقع أن تذهب معظم هذه الإضافات إلى التصدير.
وإذا سارت الصفقة السياسية المبرمة مع الرئيس نيكولاس مادورو، وجرى تحديد مواعيد الانتخابات في عام 2024، فمن المتوقع أن تجدد الولايات
المتحدة التراخيص لمدة ستة أشهر أخرى.
وسيسمح ذلك التمديد لشركات الخدمات النفطية الكبرى مثل شلمبرغير الأميركية "SLB"، بزيادة إنتاج النفط الفنزويلي بمقدار 400 ألف برميل يوميًا بحلول نهاية صيف 2024، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية مباشرة، وغالبًا ما سيجري تصدير معظمها إلى أميركا.
صادرات النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة
وتشكك شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز في الوصول إلى حل سياسي كامل في فنزويلا يُرضي الطرف الأميركي، لكنها تعتقد أن إدارة بايدن ستغض الطرف عن أي انتهاكات انتخابية أو انتهاكات لحقوق الإنسان في مقابل استمرار الاتفاق.
استنادًا إلى ذلك، سيشهد إنتاج النفط الفنزويلي وصادراته زيادات ملحوظة حتى لو لم تستوفِ الحكومة الشروط التي حددتها إدارة بايدن ووزارة الخزانة الأميركية في بيان تخفيف العقوبات، الصادر 18 أكتوبر/تشرين الثاني 2023.
وإذا فازت المعارضة الفنزويلية ذات الميول الأميركية بالانتخابات، فربما تجد نفسها أمام معارضة داخلية قوية بسبب الدعم الأميركي المعلن، وما قد ينتج عنه من تشويه سمعتها والتشكيك في مدى استقلالها في إدارة البلاد بعيدًا عن الوصاية الأميركية، فضلًا عن وصفها بالخيانة، لوصولها إلى السلطة بضغط أميركي شديد الوضوح والصراحة.
كما ستواجه المعارضة أزمة أخرى متعلقة بنقص الخبرات الفنية وهروب الكوادر من شركة النفط الحكومية بعد طرد الرئيس اليساري الراحل هوغو تشافير العديد منهم خلال المدة من 2002 إلى 2003، ما اضطر عددًا كبيرًا من الخبراء والمهندسين في فنزويلا إلى العمل في كولومبيا والشرق الأوسط.
ما علاقة النفط الكردستاني؟
لا تتوقع شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز -استنادًا إلى هذه العوامل مجتمعة- حدوث طفرة سريعة في إنتاج النفط الفنزويلي على المدييْن المتوسط أو الطويل، وإنما ستظل الزيادات محدودة وبطيئة.
كما ترجح الشركة تأثيرًا محدودًا لأي زيادات إنتاجية محتملة في أسواق النفط العالمية وأسعاره، بسبب الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي خلال الأعوام القليلة المقبلة، ما يجعل أي زيادة في إنتاج فنزويلا محدودة وذات تأثير ضيق.
لكن في المقابل، يمكن لزيادة إنتاج النفط الثقيل في فنزويلا، أن تخفّف من ضيق سوق النفط المتوسط الحامض عالميًا، خاصة إذا ظلت الصادرات من إقليم كردستان شمال العراق خارج السوق، بحسب التحليل.
أما على المستوى المحلي فيتوقع انتعاش إيرادات الحكومة الفنزويلية من تصدير النفط، وربما يحفّز ذلك الاقتصاد المنهك ويؤدي إلى زيادة الاستهلاك المحلي للنفط خلال السنوات المقبلة، وربما يدفع الحكومة إلى توجيه أغلب الزيادات الإنتاجية إلى الاستهلاك المحلي بدلًا من الأسواق الدولية.
النفط الكندي أول الضحايا
يبدو النفط الكندي أول الضحايا المتأثرين من جراء تخفيف العقوبات الأميركية على النفط الفنزويلي، وسط توقعات بزيادة واردات الولايات
المتحدة من نفط فنزويلا على حساب النفط الكندي المجاور.
ومن المتوقع زيادة الفروق السعرية بين خامات النفط الأميركي والكندي مع زيادة واردات الولايات
المتحدة من النفط الفنزويلي، لكن هذه المخاطر يمكن أن تهدأ حال تشغيل خط أنابيب ترانس ماونتن الذي تدعمه الحكومة الكندية بقوة.
وتخشى بعض مصافي التكرير الأميركية في منطقة خليج المكسيك تأثرها السلبي حال بدء كندا تصدير نفطها عبر خط أنابيب ترانس ماونتن، وسط توقعات بأن يؤدي ذلك إلى انخفاض أحجام صادرات النفط الكندي إلى أميركا وارتفاع أسعاره، بحسب تحليل إنرجي أوتلوك.
استنادًا إلى ذلك، ترى هذه المصافي أن الاستيراد من فنزويلا أصبح ضرورة مع تسارع كندا في إنشاء الخط ورغبتها في تشغيله في أسرع وقت ممكن.
وتبدو طموحات كندا في تنويع صادراتها من النفط الخام إلى دول أخرى غير الولايات
المتحدة مقيدة بمدى قدرتها على زيادة الإنتاج من إقليم ألبرتا الرئيس، وأسعار النفط الخام في آسيا، ومدى قدرتها على دخول المنافسة مع الخامات الروسية والإيرانية المخفضة إلى آسيا وأسعار أرامكو السعودية.
استنادًا إلى ذلك، تتوقع شركة إنرجي أوتلوك أدفايزرز، تأثر صادرات النفط الكندية إلى الولايات
المتحدة من انفراج العلاقات الأميركية الفنزويلية وزيادة الإنتاج الفنزويلي، وما يتبعها من زيادة التصدير إلى أميركا.
وتجدر الإشارة إلى أن فنزويلا تصدّر النفط الخام إلى دول عدة غير الولايات المتحدة، أبرزها كوبا المجاورة، وإسبانيا والصين ودول أخرى، وكثيرًا ما اتهمت بالتصدير من أبواب خلفية مثل إيران وروسيا،
المصدر: وحدة أبحاث الطاقة