قوبل الخفض الفعلي لأقل من نصف ذلك، عموماً، بعدم الاكتراث من قبل أسواق النفط، التي تعززت بشكل طفيف فقط. ولسوف يكون الأثر الفعلي على
السوق نتيجة لخفض الإنتاج أقل من الخفض الذي أعلن عنه في العناوين الرئيسية.
ولما كان العديد من أعضاء المجموعة ينتجون دون الأهداف المحددة لهم، يتوقع أن يتراوح
صافي خفض الإنتاج ما بين 600 و900 ألف برميل في اليوم، وهو ليس بالرقم البسيط إذا ما أخذنا بالاعتبار التوجهات الأخيرة، ولكن مع ذلك يظل دون المستوى الذي توحي به العناوين الرئيسية للخبر.
وبحسب تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، فإن آثار تخفيض الإنتاج على سياسات الطاقة وعلى العلاقات الأمريكية الخليجية وعلى العلاقات
الغربية الخليجية
أكبر بكثير. وذلك أن هذا القرار يفاقم من انعدام الثقة بين تلك
البلدان الاقتصادية الكبرى حول سياسة الطاقة والقدرة على التعامل مع المشاكل المتوقعة والناجمة عن تقليص واردات الوقود الروسي وبعض القضايا بعيدة المدى المتعلقة بتحويل الطاقة والاستثمار.
ولو تجاوزنا خفض الإنتاج ذاته، فثمة تموضع سياسي وجيوسياسي يحيط بالإعلان، الأمر الذي يسلط الضوء على زيادة هشاشة السوق، وانعدام الاستقرار فيه، ونحن مقبلون على المقاطعة التي ينوي الاتحاد الأوروبي فرضها على روسيا وما تنويه مجموعة السبع الكبرى من فرضه من حد أعلى على سعر النفط الروسي.
تباطؤ الطلب على النفط
على الرغم من محاولاتهم التركيز على الطبيعة "التقنية" للقرار، إلا أن وزراء أوبك+ والولايات المتحدة لم يبذلوا جهداً يذكر لوقف التصعيد، بما يعني أن الأسباب الاقتصادية والتجارية جزئياً لخفض الإنتاج، بما في ذلك تباطؤ الطلب على النفط حول العالم، تاهت في خضم بحر من الاتهامات المتبادلة والمخاوف بشأن المستقبل.
فيما يتعلق بموضوع الطلب، تعكس تخفيضات أوبك+ المخاوف حول تباطؤ الطلب العالمي، وخاصة من قبل الصين، والتي ماتزال مقيدة بالإغلاقات الانتقائية رداً على جائحة كوفيد، وبضعف طلب المستهلكين وبما يحيق بسوق العقارات فيها من كروب.
ما من شك في أن التنبيه إلى أن التخفيض سيستمر حتى نهاية 2023 يعني تراجعاً كبيراً عن رؤية أوبك السابقة، ومفادها أن الطلب القوي سوف يعزز الإقبال على نفط أوبك في العام المقبل.
إذا ما أخذنا بالاعتبار بعض ما وقع من تراجع في الطلب في وقت مبكر من هذا الصيف، فإن بعضاً من التخفيض يعكس ما هو متعارف عليه من أساسيات، حتى وإن كانت الأسعار أبعد ما تكون عن كونها منخفضة. يوجه منتجو النفط بعض اللوم إلى أجزاء أخرى من
سوق الطاقة، بما في ذلك ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، والتي تفاقم من ضعف الطلب العالمي.
وإذ تجد البنوك المركزية نفسها مجبرة على مزيد من الارتفاع في الأسعار كإجراء دفاعي، بما في ذلك في اقتصاديات
البلدان المتقدمة، فإن الخطورة تكمن في أن الكساد العالمي سوف يكون أكثر استفحالاً، وسوف يقوض الطلب على النفط.
ولسوف يستمرون بالمجمل في تفضيل التكاليف الأعلى على الإنتاج الأدنى، وبشكل خاص حينما تنعدم في كثير من
البلدان مرونة البيع التدريجي. وإذ يواجهون احتمال تراجع الإيرادات بعد بداية قوية في مطلع 2022، فلقد اختاروا إعطاء الأولوية لرفع تكاليف إنتاج للبرميل مقابل المساهمة في
السوق.
الإبقاء على عضوية روسيا
تبدو فكرة أن السعر الأعلى سوف يحفز على مزيد من الاستثمار داخل بلدان أوبك+ أقل واقعية إذا ما أخذنا بالاعتبار أن القضايا المتعلقة بالتدرج في رفع معدلات التوريد أبعد ما تكون عن كونها اقتصادية بحتة. فهي تتضمن مسائل محلية في عدد من
البلدان المنتجة، بالإضافة إلى زيادة الطلب المحلي في أفريقيا.
بعض أعضاء أوبك بلس، خاصة الإمارات العربية المتحدة، أضافت إلى قدرة ما تزال فائضة عن الإنتاج، وبعض
البلدان من خارج أوبك، مثل الولايات المتحدة، هي الأخرى تضيف إلى الواردات بحسب ما تمليه المبررات التجارية، إلا أن هذه أكثر إلحاحاً في حالة الغاز الطبيعي.
عزز الاجتماع الخيار الذي يفضله زعماء أوبك، خاصة أولئك الذين في بلدان مجلس التعاون الخليجي، ألا وهو بقاء روسيا داخل المجموعة بدلاً من خارجها، لأنها في الخارج قد تلعب دور المخرب.
يعكس ذلك الدروس التي استلهمت من الأزمة المالية الآسيوية والأزمة المالية العالمية، من تفضيل خيار إبقاء كبار المنتجين على قلب رجل واحد.
إضافة إلى ذلك، فإنهم يقصدون أيضاً التنبيه إلى عدم رغبتهم في تيسير جهود مجموعة السبع الكبرى انتزاع النفط الروسي. على النقيض مما عليه الوضع في
البلدان الأصغر مثل إيران وفنزويلا، لا يوجد قدرة فائضة على مستوى العالم من شأنها أن تعوض عن النفط الروسي.
كما أن العقوبات المستمرة ضد هذين البلدين تثير المخاوف. رغم أن الأحجام الإضافية غير مرحب بها في هذا الوقت، إلا أن استمرار الغرب في اللجوء إلى العقوبات لتقييد واردات الطاقة يبقى هاجساً مقلقاً للمنتجين.
ورغم المبالغة في المزاعم بأن السعوديين والإماراتيين وبقية أعضاء مجموعة أوبك+ منحازون لصالح روسيا، إلا أن من الواضح أنهم لا يتخلون عنها.
فهذه بعض من
البلدان العديدة التي ترغب في الاحتفاظ بعلاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة في نفس الوقت ولديها رغبة في العمل ضمن المنطقة الرمادية، تندمج في التعاملات التجارية والمالية التي لا تعتبر انتهاكاً مباشراً للعقوبات الأمريكية، ولكنها خطرة، وقد تصبح في المستقبل عرضة للتقييد.
ويشمل ذلك قراراً بالتمسك بالاستمارات والمشاريع المشتركة في روسيا بدلاً من الخروج منها، على الرغم من تواطئها في حربها. كما يشمل أيضاً زيادة دورها كموقع لإعادة الشحن، مثلما هو الحال مع الإمارات العربية المتحدة.
بالنسبة للهند وتركيا، زادت التجارة مع روسيا. وجل هذه التجارة ما زال قانونياً ولكنه صعب، ولسوف تتعرض هذه
البلدان لمزيد من الضغط حتى تلتزم بأحكام التصدير التي تتطلبها مجموعة السبع الكبرى وتزداد رقعتها اتساعاً.
العلاقات مع الولايات المتحدة
ليس لدى مجموعة المنتجين مصلحة في تسهيل عملية إيجاد آلية لتحديد الأسعار مصدرها
البلدان المشترية، وترفض بالذات الآلية التي قد تستخدم لغايات جيوسياسية أخرى. إضافة إلى ذلك، يقلقهم انعدام اليقين بشأن إطلاق أحكام جديدة للالتزام بالمعايير والقيام بالحرص الواجب، الأمر الذي قد يضيف تكاليف أخرى إلى
السوق.
تؤثر مقاربة مجموعة السبع الكبرى تجاه السقف على الهيمنة الحالية في التأمين وغير ذلك من الخدمات التي تقدم لقطاع تجارة النفط. ومن المحتمل أن يبرز لاعبون جدد لتوفير بعض على الأقل من هذه الخدمات التأمينية.
وعلى الرغم من ارتيابهم بسقف الأسعار، إلا أن أعضاء أوبك+ المتمتعين بالقدرة من المحتمل أن يسعوا إلى الاستفادة من المتاجرة، فيشترون الوقود بأسعار مخفضة من روسيا، ثم يبيعونه عبر الأسواق العالمية بأسعار أعلى. ويبقى مع ذلك احتمال تشكل آلية رسمية لذلك مصدر قلق.
إلا أن هذا القرار يخرج إلى السطح بعض التظلمات والخلافات التي ما لبثت تتراكم منذ حين. فكثير من أعضاء أوبك بلس، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، يشعرون بأن الأيام أثبتت صواب موقفهم الذي يرى بأن أهداف تحويل الطاقة لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سوف ينجم عنها تراجع الاستثمارات في الطاقة. كما عبروا عن قلقهم من القدرة على استخدام الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، ما جعلهم يهتمون أكثر بإجراءات الحماية الذاتية والاحتفاظ بتحالف أقل مع الغرب.
في هذه الأثناء، تستمر الولايات المتحدة في توقع أن تعني العلاقات الأمنية تحالفاً ودعماً للسياسة الخارجية ولأهداف السياسة الاقتصادية. إلا أن من المحتمل أن تتردى العلاقة أكثر فأكثر، وقد تصبح أكثر تعاقدية في مجالات المصالح المشتركة فعلياً.
ولسوف ترتفع حدة الضجيج الوارد من واشنطن حول إعادة تشكيل العلاقة، خاصة كلما حصل نقاش حول مبيعات الأسلحة واستخدام أدوات مناهضة الثقة في التعامل مع أوبك والسياسات الإقليمية.
ولكن، يحتمل أيضاً أن يحصل تصحيح للمسار، وذلك أن الولايات المتحدة تعطي الآن الأولوية لجهودها لإضعاف الحكومة الروسية وقدرتها العسكرية، رجاء وقف الصراع في أوكرانيا، بالإضافة إلى تركيزها على التنافس مع الصين.
بينما تتجه دول مجلس التعاون الخليجي، ومعها على نطاق أوسع قرناؤها في غرب آسيا، نحو الاحتماء والبحث عن طريق لها في عالم لم يعد أحادي القطبية، فإنها سوف تختبران تلك الحدود.
قد يجد المنتجون من غير أعضاء أوبيك، مثل قطر، تحسناً في أوضاعهم، رغم أنهم أيضاً يلوذون بإجراءات الحماية الذاتية، ويسعون للحصول على أفضل الفرص من أجل التنمية في مجال الطاقة وفي غيرها من المجالات. ومن المحتمل أن تضيف هذه التوجهات إلى انعدام الاستقرار، ليس فقط في أسواق النفط وإنما أيضاً على المستوى الجيوسياسي، ما يزيد من مخاطر استخدام أدوات خشنة مثل العقوبات الثانوية.