السومرية نيوز/
بغداد
"عالم سفلي وأجواء مشبوهة محاطة بسرية"، العاملون فيه يعاملون كأنهم "أغنام" وعيون في كل مكان، الى جانب إشارات صريحة على وجود "تواطؤ" رسمي في
الأردن والعراق على حد سواء، هكذا وصفت الصحفية الأردنية
حنان كسواني ما رأت، بعد أن أماطت اللثام عن "فضيحة" البسكويت منتهي الصلاحية.
كسواني التي فجرت قنبلة من العيار الثقيل، وأثارت ردود فعل متباينة على أعلى المستويات في كل من
العراق والأردن، روت لـ"السومرية نيوز" تفاصيل، تجربتها "الفريدة" والمشاهد التي وثقتها بكامرة خفية، وكيف يتم التعامل مع عاملين تم استغلال فقرهم ليتولوا عملية تغيير تاريخ صلاحية البسكويت المرسل الى أطفال
العراق.
"شك" يقود لحقيقة مرة
وتوضح كسواني في حديثها لـ"السومرية نيوز"، أن "متابعة القضية بدأت منذ أن رفضت السلطات العراقية دخول أول شحنة بسكويت، في عيد الفطر الأخير، حيث بقيت الـ15 شاحنة التي تحملها على الحدود الأردنية العراقية، بحمولة 330 طناً وفسدت نتيجة الحرارة الشديدة"، مؤكدة "أنها سمعت في شهر أيلول 2013 بأن برنامج الأغذية العالمي استأجر مستودعات في
الأردن وأوكل لشركة أردنية بعطاء لتغيير تاريخ الصلاحية المطبوع على علب البسكويت بوزن 50 غم، على انها صالحة من 1 كانون الثاني الى شهر 9 من عام 2013".
وتشير الكسواني الى أن "المؤسسة العامة للغذاء والدواء مع أمانة عمان وشرطة البيئة، أغلقت المستودع وختمته بالشمع الأحمر، واوقفت مدير المستودعات"، مبينة "أن المسؤولين يتمتعون بحصانة دبلوماسية وتم الإفراج عنهم في وقت لاحق".
وتلفت الى أن "المسؤولين المفرج عنهم فكوا الشمع الأحمر وعادوا لتغيير صلاحية البسكويت، وعلقوا العلم الأزرق لبرنامج الأمم المتحدة"، مبينة أن "هيئة الغذاء والدواء الأردنية أخذت عينات من البسكويت، واكتشفت انها صالحه للاستهلاك البشري، لكن خطأها انها لم تأخذ الإذن من وزارة الخارجية الاردنية في عملية التفتيش وحتى تنفيذ الإتلاف أو إعادتها الى بلد المنشأ الأندنوسي".
أصابع الاتهام تشير للسفارة العراقية بعمان ... والسفارة: لاتعليق
كسواني ليس لديها "شك"، بأن ما حصل لبسكويت الاطفال، كان "بتواطؤ من الحكومة العراقية وبحماية الحكومة ووزارة الخارجية الأردنية"، مبينة أن "السفارة العراقية كانت تعلم بتفاصيل ما يحدث، لكنها لم تتحرك ولم تتخذ أي إجراء".
أما السفير العراقي في العاصمة الأردنية عمان، جواد هادي عباس، فقد رفض التعليق والرد على هذه الاتهامات، مؤكداً في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن السفارة سلمت كل المعلومات التي تمتلكها بخصوص هذه القضية للحكومة العراقية، ولا يملك معلومات يستطيع الإدلاء بها في هذا الخصوص الآن".
كسواني بدورها، تذكر بأن "الجهات الرقابية الأردنية المختصة تعرضت لضغوطات من الخارجية الاردنية، التي زودت بوثائق من الحكومة العراقية متمثلة بوزير التربية والصحة، تسمح للبرنامج بتغيير صلاحية البسكويت الى تسعة شهور بدل 24 شهراً".
الصحفية
حنان الكسواني وهي متخفية بزي عاملة خلال اجراءها التحقيق الصحافي
ظروف عمل قاسية ترقى لمستوى "العبودية"
كسواني تعاملت في مهمتها المتخفية، مع "سمسار" سجل اسمها على انها من اسرة فقيرة لديها بنت وتود العمل في مستودعات البسكويت، مؤكدة ان "اسماء الفقراء العراقيين منهم بالذات تتسرب من مفوضية الأمم المتحدة، التي يفترض أن تتعامل مع أسمائهم بخصوصية".
وتشير كسواني الى "أنها أرسلت في البداية شاباً فلسطينيا تعرفه اسمه محمد الشاعر (20 عاما) طالب جامعي، حيث تمكن من دخول مستودعات البسكويت بوساطة طرف أخر أبلغ "السمسار" المكلف بتدقيق الأسماء بأنه شخص يسمح له بالدخول.
وبينت أن "الشاب عمل وتأثر بمادة الثانر المزيلة للاصباغ، وانتقل الى آلة تثبيت التاريخ الجديد، ومن ثم حمل الكراتين، وتمكن من رصد كل شيء".
وبعد التأكد من حقيقة التلاعب قررت الكسواني، الذهاب شخصياً ومعها فتاة سورية عمرها 18 عاما على انها ابنتها، باسم دالي "كسراني" وهو لقب لأحد العوائل السورية، وقد ركبت كاميرا سرية صغيرة بملابس العاملة التي ارتدتها.
وتقول الكسواني، إن "اجواء العمل كانت محاطة بسرية وشبهة، إذ لا يقتصر العمل على الأسر فقط، بل كان بينهم من أرباب السوابق، وآخرون ليس لديهم اقامة، ومن جنسيات فلبينية واندنوسية"، موضحة أن "الشركة المعنية (لم تفصح عنها لاسباب قانونية)، كانت تحتاج 125 عاملا يوميا ولايهمها كيفية جلبهم".
وتؤكد أن "العاملين في المستودعات يعامَلون كأنهم قطيع غنم، ويقسمون عمل السيدات على طاولة، وكل طاولة عليها مراقب وجاسوس من العمال أنفسهم يخبر المراقب فيما إذا كان العمال يعملون بجد أم لا" ، مبينة أن "ساعات العمل كانت تمتد من الساعة الرابعة الى الواحدة بعد منتصف الليل، يتلقون خلالها الضرب ويصابون بضرر بالغ بسبب رائحة الثانر والبرد القارص".
وتابعت كسواني في حديثها لـ"السومرية نيوز" قائلة، إن "يديها تقوست والبرد أكل من جسدها، كونها عملت بلا كمامات ولا كفوف واقية"، موضحة أن "العاملين كان بينهم مرضى وكبار سن من العراقيين جاءوا من اجل الحصول على خمسة دنانير أردنية في اليوم ويتعرضون للاختناق، وهم يجهلون انهم يغيرون تاريخ صلاحية منتج، وليس خطأ مطبعياً".
التخطيط تنأى بنفسها .. والتربية "تُطمئن"
ويقول المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "جميع مستوردات وزارة الصحة التي تتعاقد عليها مع الجهات المصدرة لاتخضع للتفتيش من قبل شركات الفاحصة والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية التابع للوزارة"، مبينا أن "وزارة الصحة هي التي تشرف على جميع استيراداتها ومتابعتها ومدى صلاحيتها للاستهلاك".
ويضيف الهنداوي أن "وزارة الصحة تؤكد ان صلاحية البسكويت المدعم الذي أثار الجدل حوله هو لمدة عامين وليس 9 اشهر"، مشيرا ان "البسكويت من النوع الجاف وليس المحشي الذي يتعرض للتلف بسرعة اكثر".
وزارة التربية بدورها سارعت الى تبرئة ساحتها أيضاً، حيث قال مدير البيع والصحة المدرسية في وزارة التربية فوزي رجب لـ"السومرية نيوز"، إن "لجنة من مشتركة من وزارتي الصحة والتربية توصلت الى ان البسكت ليس عليه اي شائبة"، موضحا ان "صلاحية قسم من البسكويت تمتد الى الشهر التاسع 2013، وقسماً آخراً تمتد الى الشهر العاشر 2014".
ويؤكد ان "الحكومة رفضت دخول البسكويت بسبب التعليمات الصادرة من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، التي تنص على أن صلاحية المواد الغذائية يجب ان لاتتجاوز التسعة أشهر"، موضحا ان "البسكويت المصنع في معامل اندنوسية وبلدان اخرى، ذات طابع طبي ويخضع لصلاحية 24 شهر وحسب تأييد الجهة المصدرة، ورغم ذلك فإن الحكومة العراقية لم تستقبله".
ويلفت رجب الى ان "وزارة التربية تطمئن العوائل والطلبة، بأن الكمية الموجودة من البسكويت، التي جزءا منها تنتهي صلاحيتها نهاية الشهر الرابع 2014، والقسم الأخر ينتهي في نهاية حزيران، سيعاد فحصها للمرة الثانية للتأكد من سلامتها"، مؤكدا "ايقاف جميع الشحنات الاخرى الموجودة في مخازن برنامج الاغذية العالمي لحين التحقق من الموضوع".
ردود "غاضبة"
عضو لجنة الصحة البرلمانية جواد البزوني، كشف في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "اللجنة المكلفة بالتحقيق بقضية البسكويت، أثبتت تورط مافيات من الخارج بموضوع صلاحية البسكويت المرسل للبلاد"، مبينا ان "هذا البسكويت كان من المفترض أن يدخل إلى
العراق في شهر تموز من العام الماضي، حيث كان فيه صلاحية أربعة أشهر، لكن الجهات العراقية رفضت دخوله، لان شروط
العراق يجب أن تكون فيه صلاحية ستة أشهر".
ويضيف البزوني ان "ما نشرته صحيفة الغد الأردنية عن تغيير مدة صلاحية البسكويت ولد شكوكا بأن نفس المادة قد تم إعادتها إلى
العراق بعد تغيير تواريخ صلاحيتها، إلا أن النتائج الأولية تشير إلى أن الكمية التي دخلت للعراق نوعيتها مختلفة بالشكل واللون ونحن نحقق الآن بهذا الموضوع".
ويؤكد البزوني أن "الكمية التي دخلت للعراق محتجزة الآن ولم توزع على الأطفال ولا على الحوامل وبالتالي ستخضع للفحص والتدقيق من قبل
العراق ومنظمة الصحة العالمي للوصول إلى نتائج ستعلن لاحقا".
أما عضو لجنة النزاهة البرلمانية عالية نصيف، فقد اعتبرت أن "فضيحة البسكويت المنتهي الصلاحية المرسل الى
العراق بمثابة إبادة لجيل المستقبل، وجريمة منظمة تندرج ضمن الفساد المالي"، مبينة ان "اللجنة ستقوم بالتحقيق في هذه القضية وكشف ملابستها".
وتؤكد نصيف في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "اللجنة ستقف على الاسباب التي دعت وزارة التربية الى الطلب من الامم المتحدة بتزويد
العراق بالبسكويت وعدم استيراده من مناشىء عالمية رصينة"، لافتة الى ان "التربية تمتلك إمكانيات وأرصدة مالية كبيرة تجعلها قادرة على استيراد البسكويت".
التربية تطالب بتقديم ما يثبت تمديد فترة صلاحية "البسكت"
وحصلت "السومرية نيوز" على وثيقة موجهة من قبل وزارة التربية العراقية الى برنامج الأغذية العالمي وموقعة بتاريخ (22 تشرين الاول 2013)، تتضمن طلباً بتقديم ما يثبت تمديد فترة صلاحية مادة "البسكت" وجعلها (24) شهرا بدلا من (9) أشهر بشهادة الشركة المنتجة، وبيان كيفية التعامل مع المادة المذكورة حيث صدر تعميم من وزارة الصحة بالسماح بدخول "بسكت" عالي البروتين من المنافذ الحدودية واعتبار مادة "البسكت" عالي البروتين، ذات استعمال طبي خاص مصمم ليلاءم احتياجات أطفال المدارس والوقاية من سوء التغذية.
وكان نائب رئيس لجنة التربية البرلمانية علاء مكي اعلن، السبت (11 كانون الثاني 2014)، أن مجلس النواب قرر تشكيل لجنة للتحقيق في قضية البسكويت المنتهي الصلاحية، فيما كشفت لجنة الصحة البرلمانية بأن النتائج الاولية بقضية البسكويت تشير الى تلاعب مافيات من الخارج بمدة صلاحية البسكويت المرسل للعراق.
وتأتي هذه الردود عقب نشر صحيفة الغد الأردنية تحقيقاً استقصائياً كشف خفايا "تزوير" فترة صلاحية بسكويت مخصص لأطفال العراق، ومرسل من قبل منظمة الغذاء العالمية.
الوثيقة الموجهة من قبل وزارة التربية العراقية الى برنامج الأغذية العالمي