"خيار المواجهة مر، ولا سبيل سوى انتهاج سياسة شد الحزام على البطن"، هكذا يقول المختصون في إشارة إلى أن المواطنين سيضيق وضعهم المعيشي، لأن الحكومة وضعت نصب عينها تخفيض رواتب
الموظفين ورفع الضرائب والرسوم في
العراق على خلفية انهيار أسعار النفط وحصول عجز كبير في الموازنة، كون الاقتصاد الوطني ريعي بالدرجة الأولى.
وبحسب المختصين، فإن الاقتصاد
العراقي بـ"حالة دوار" الآن، بسبب الضربة القاسية التي تلقاها جراء إنهيار أسعار النفط، وبقاء سبل إصلاحه مجرد "شعارات براقة" رددتها
الحكومات المتعاقبة.
وفي كل مرة مع انخفاض أسعار النفط تلجأ الحكومة الى اتخاذ سياسة مالية انكماشية برفع الضرائب والرسوم لتمويل العجز او للحد منه أي تلجأ الى ترشيد النفقات وزيادة الإيرادات والتفكير بشكل جدي لخفض رواتب
الموظفين والمتقاعدين الذي بالكاد يسد رمق العائلة العراقية مع ارتفاع المعيشة.
فالمواطن
العراقي أصبح رهينة لسياسات حكومية غير مدروسة طوال هذه السنين على الرغم من الثروات الطبيعية التي يزخر بها البلد والتي تتمناه الكثير من بلدان العالم .
وأثار الانخفاض الكبير في أسعار النفط بالأسواق العالمية في الآونة الاخيرة مخاوف في العراق، حول عدم قدرة الحكومة على تأمين رواتب
الموظفين والمتقاعدين في البلاد.
وكشف نائب رئيس الوزراء وزير النفط ثامر الغضبان عن وجود توجه لدى الحكومة بتقليص نسبة معينة من مخصصات الموظفين، مؤكدا ان الراتب الاسمي لا يمكن المساس به.
وقال الغضبان في حديث لبرنامج "المحايد" الذي تبثه السومرية، إن "الرواتب زادت كثيرا عن العام الماضي نتيجة التعاقد والتعيينات، فضلا عن إعادة منتسبين في الأجهزة الأمنية، فهناك تعاقد جدا كبير يصل إلى 56 تريليون دينار
عراقي من رواتب وتقاعد، هذا يعني نحن بحاجة إلى 45 مليار دولار تقريبا".
وأكد الغضبان، أن "مرتبات
الموظفين ستدفع هذا الشهر واتخذ قرار بها، وهناك وجهة نظر بالتقليص، فهناك دخل
الموظفين العراقي يتكون من جزئين وهو الراتب الاسمي، وهناك المخصصات وهي التي تشكل الجزء الأعظم من المورد الشهري للموظفين وهي متفاوتة من وزارة إلى أخرى ومن فئة إلى أُخرى"، منوها الى أن "الراتب الاسمي لن يتم المساس به".
وأوضح الغضبان أن "الذي يجري أن التقليص سيتناول المخصصات بنسبة معينة منها، فسوف تؤجل على شكل توفير للمستقبل، وتمت المناقشة مع النواب المعنيين"، لافتا إلى أن "مجلس الوزراء سيجري حزمة إصلاحات ويرسلها إلى مجلس النواب ومجلس النواب هو من يناقش ويقرر، ولا يوجد هناك قرار فردي".
في الوقت الذي تحاول الحكومة إيجاد طريقة لحل الازمة المالية التي يعاني منها البلد عبر حلول ومنها تقليص الرواتب لموظفي الدولة فان البرلمان كان له راي اخر بما يخص هذه الرواتب.
ويؤكد النائب عن تحالف سائرون صباح الطلوبي العكيلي، ان رواتب
الموظفين خط احمر، وعلى الحكومة ان لا تحمل المواطن ما لايطيق.
ويقول العكيلي في حديث لـ السومرية نيوز، اننا "نستغرب ما تصدر من تصريحات من هنا وهناك حول التلاعب برواتب
الموظفين واستقطاع نسب منها"، مبينا اننا "بالوقت الذي نعتبر ان رواتب
الموظفين خط احمر الا اننا نؤكد على ضرورة ان تحسب الحكومة حساباتها لكل طارئ و ان لا تحمل المواطن مالا يطيق".
وتساءل العكيلي، "هل ان زيادة موارد الدولة، ادت الى زيادة الرواتب للموظفين، وهل ان استعدادات الحكومة كانت بالاعتماد على رواتب الفقراء والموظفين"، مشددا على "كل دول العالم لديها خطط طوارئ واستعدادات لهكذا ظروف، بالتالي فأننا ندعو الحكومة لإيجاد حلول واقعية وخطط حقيقية، لان وباء كورونا قد يستمر لسنه او اكثر ولأيمكن الاتكال على حلول غير واقعية يكون ضحيتها الموظف والفقراء".
السندات الحكومية الحل الأمثل
وﻗﺎل ﻋﻀﻮ اﻟﻠﺠﻨﺔ المالية اﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ أﺣﻤﺪ اﻟﺼﻔﺎر إن "اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷوﻟﻰ واﻷﺳﻬﻞ لتامين اﻟﺮواﺗﺐ ﻫﻲ اﻟﻠﺠﻮء اﻟﻰ ﺳﻨﺪات اﻟﺨﺰﻳﻨﺔ المؤقتة (أذوﻧﺎت اﻟﺨﺰاﻧﺔ) ﻣﻦ ﺧﻼل ﻃﺮح ﺳﻨﺪات ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻨﻚ المركزي والمصارف واﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ".
وأضاف الصفار في تصريح صحافي أن "إﺣﺪى اﻟﻄﺮق ﻫﻲ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻻﻧﻔﺎق ﻏﻴﺮ اﻟﻀﺮوري، واﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻷﻣﻮال اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺪﻓﻊ اﻟﺮواﺗﺐ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺟﻤﻊ اﻟﻔﻮاﺋﺾ ﻣﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻮزارات المتوقفة ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﺎم والمخصصة ﻟﻠﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ".
تقليص الرواتب اخطر الحلول
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي ان تقليص الرواتب اخطر الحلول لانها تؤدي الى الكساد والفقر.
ويقول علي في حديث لـ السومرية نيوز ان "اجراءات تقليص الرواتب او ادخارها اجباريا تعد من اخطر الحلول لمعالجة نقص واردات النفط كون رواتب
الموظفين تعتبر المحرك الاقتصادي للبلاد في الوقت الحاضر والمحرك لكل المهن الحرة والقطاع الخاص كونها تمثل وجوه الصرف المباشرة للدولة".
ويستغرب علي طرح هذا الحل بغياب مناقشة مسالة تعدد الرواتب لشرائح واسعة خصوصا من الذين يسكنون خارج البلاد ويستنزفون ايراداته تحت عناوين الخدمة الجهادية ورفحاء والعديد من الامتيازات التي تستنزف من الموجود المحلي من العملات الاجنبية عبر تحويلات شهرية بمئات ملايين الدولارات"، إضافة الى عدم تسديد اقليم كردستان لالتزاماته المالية وحصوله بشكل مخالف للقانون على مئات الملايين من الدولارات".
ويؤكد علي ان "تخفيض الرواتب تحت اي عنوان يعد ثلم لدورة الاموال في السوق المحلية".
خبير مالي: تقليص الرواتب حلول ترقيعيه
ويقول الخبير المالي محسن علي في حديث لـ السومرية نيوز ان "الحكومة تعاني من ترهل وظيفي نتيجة السياسة الخاطئة لإدارة المؤسسات الدولة حيث انها لجأت لحلول ترقيعيه للحد من التظاهرات بتعيين الكثير من المواطنين في دوائر حكومية تعاني أصلا من البطالة المقنعة وبالتالي فان من واجب الحكومة ان توفر رواتب لهؤلاء
الموظفين الجدد".
ويضيف علي ان
الحكومات السابقة لم توفر فرص او دعم حقيقي للقطاع الخاص
العراقي بل على العكس من ذلك سمحت للمستورد بمنافسة المحلي وبالتالي فان معظم المشاريع والصناعات المحلية أغلقت بسبب ذلك ما جعل المواطن يتجه للوظائف الحكومية".
ويشير علي ان "الحكومات ما زالت تنتهج حلولا ترقيعيه لمعالجة أزمات مستمرة في الاقتصاد
العراقي ومنها تقليص رواتب الموظفين"، مستدركا كان "الاجدر بها إيجاد نظام اقتصادي قادر على تخطي أي ازمة مالية على غرار الدول المنتجة للنفط التي غادرت الاقتصاد الريعي من خلال الاستفادة من الواردات النفطية بتنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى".
خبير قانوني: تقليص الرواتب لا يتم الا بقانون
من ﺟﺎﻧﺒﻪ، أوﺿﺢ اﻟﺨﺒﻴﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻃﺎرق ﺣﺮب، أن "اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ المساس ﺑﺮواﺗﺐ
الموظفين ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻗﺎﻧﻮن".
وﻗﺎل ﺣﺮب في تصريح صحافي "ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﺪر ﻗﺎﻧﻮن ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب؛ ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﺧﻔﺾ اﻟﺮواﺗﺐ، واﻧﻤﺎ ﺗﻌﺮض ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ البرلمان".
ولم يصادق البرلمان
العراقي حتى الآن على الموازنة العامة للبلاد لسنة 2020، بسبب الخلافات السياسية بشأنها، والعجز الكبير فيها نتيجة انخفاض أسعار النفط .
ويعتمد الاقتصاد
العراقي اعتماداً شديداً على النفط فاقتصاده نفطي في المقام
الأول حيث يكون 95% من إجمالي دخل
العراق من العملة الصعبة.