السومرية نيوز/ دكار
للمياه مشاكل عديدة تؤرق
العراق وتهدد أمنه الغذائي، وأبرزها استحواذ دول منابع الأنهر الصابة في البلد على الكمية الأكبر من المياه بشتى الوسائل، لكن دول أخرى إمكانياتها محدودة تغلبت على ذات "التهديد"، فهل يمكن الاستفادة من تجربها للاحتراز من خطر مقبل؟
بمساره الطويل البالغ 1790 كم، والمار عبر أربع دول غرب أفريقيا, وهي
غينيا ومالي والسنغال وموريتانيا, يعد نهر السنغال الرافد المغذي لملايين البشر وفق تقاسم مثالي للمياه جنب المنطقة توترات طالما عصفت بها، الأمر الذي يمكن أن يستفيد منه
العراق كدولة مصب تعاني من حجب المياه في دول المنبع.
وفق ذلك يقول رئيس وزراء
غينيا الأسبق، كاباني كومارا في حديث لـ
السومرية نيوز، إن "جغرافية دول نهر السنغال مختلفة عن
العراق بطبيعة الحال، كون نهري دجلة والفرات ينبعان من تركيا، وثمة روافد أنهر أخرى تنبع من إيران"، معتبرا أن "العراق في وضع مائي فقير جدا وفي منطقة لا يمكن السيطرة عليها بسهولة، لأن المياه تأتي من مناطق أخرى".
كاباني كومارا
ولدى كومارا وجهة نظر متأتية من منصبه الأسبق كأول مسؤول تنفيذي في
غينيا التي تعد بلد منبع نهر السنغال الذي جرى تقسم مياهه سلمياً، وهي مستندة على رؤية تفيد بأن "أي
دولة لا يمكنها القيام بتنمية، إن لم تكن مستقلة"، حسب تعبيره.
ويؤكد كومارا لـ
السومرية نيوز، أن "المفتاح الأول لحل مشاكل المياه، هو الاستقلال، ويأتي بعده التضامن ، كما هو الحال بين الدول الافريقية التي تضع مواردها معاً لخدمة قضاياها"، مبينا أن "العراق في منطقة تتشارك دولها ذات القيم وعانت من الحروب والاستعمار، وبالرغم من العراقيل، لكنها يمكن أن تحل مشاكل المياه، في حال توحيد الجهود".
ويوضح كومارا، أن "حل مشاكل المياه يقود الى التخلص من الفقر وتحقيق التنمية"، مشيرا الى أن خارطة العالم تدعو
العراق الى التعاون مع جيرانه، لأن المجموعات الكبرى هي التي تسيطر على العالم والدول المنعزلة لا يمكن أن يكون لها دور".
إزالة لأسباب الإرهاب
ويرى كومارا، أن "العراق والمنطقة المحيطة به، تشهد نزعة راديكالية جزء منها لجوء تنظيم داعش الى استخدام المياه كسلاح"، موضحا أن جذور ما يحدث برزت بسبب غياب العدالة والمساواة وعدم توزريع الثروة بشكل عادل".
ويقول كومارا لـ
السومرية نيوز، إن "الفقر هو الذي يخلق حالة اللا آمل ويجلب الجماعات الارهابية"، مؤكدا أن "الشيء الأفضل، هو إظهار الوحدة وعدم السماح لهذه الجماعات بتقسيم المجتمع، لذلك على القوى السياسية الاتفاق على اجندات لمكافحة الفساد وتوزيع الثروة، ومتى يتم الاتفاق على ذلك فهو سيخلق الأمل للناس والشباب الذي يشكلون اكثرية في المجتمع ويحصنهم".
المياه تحجب داخلياً وخارجياً
الخبيرة في المعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي والموارد المائية، مها الزيدي، تحذر من تعرض الأمن الغذائي في
العراق للخطر، عازية السبب الى توليفة من عوامل خارجية وداخلية مضاف اليها عوامل مناخية قاسية، قادت لأن يكون
العراق أكثر الدول خسارة للمياه.
وتقول الزيدي في حديث لـ
السومرية نيوز، إن "المياه تعد أحد العناصر المهمة لتحقيق الأمن الغذائي في العراق، لكن عوامل طبيعية وسياسات خارجية وداخلية تعيق ذلك الأمن"، مبينة أن "العوامل الطبيعية متمثلة بالتغيير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار والثلوج".
وتلفت الزيدي الى، أن "أبرز العوامل المهددة للأمن الغذائي، هو سياسات الدول الخارجية التي ينبع منها نهري دجلة والفرات والدول الاخرى التي يمر فيها النهران"، موضحة أن "تركيا التي تعتبر النهرين عابران للحدود وليسا انهرا دولية، بينما
العراق يعتبرهما دوليان، لأن معظم طول نهر دجلة والفرات هو داخل أراضيه".
وتبين الزيدي، أن "السياسة التركية تركز على إقامة مشاريع المياه داخل أراضيها، ما تسبب بانخفاض 60% من منسوب نهر دجلة، ونحو 80% من نهر الفرات"، مشيرة الى أن "تركيا تبيح لنفسها استغلال المياه داخل حدودها، وتصدر ما هو زائد عن الحاجة، وبما أن
العراق من دول المصب، فهو بذلك أكثر
دولة متضررة".
وتوضح الزيدي، أن "إيران أيضاً بدأت منذ عام 1935 بغلق الأنهر الداخلة الى
العراق وتحويل مسارها داخليا، من منطلق حق السيادة والتصرف بمشاريعها، بدون النظر الى الاتفاقيات"، مبينة أن "الجانب الإيراني قطع نهر الوند وحول مساره الى داخل أراضيها، أما شط العرب فهو الآن مجرد مجرى نهر بسيط وملوث، بسبب فقدان نحو 27 مليار متر مكعب كانت تأتيه من نهر الكارون".
وتشير الزيدي الى "عوامل اخرى داخلية أثرت على المياه، ومنها الزيادة السكانية التي ترفع الطلب على المياه، فضلا عن إهمال صيانة مشاريع المياه في
العراق ووضعها بيد كوادر غير كفوءة، ما تسبب بشح مياه قاتل".
وتلفت الزيدي الى، "عامل مهم آخر يؤثر على المياه، ولايطرح باستمرار، وهو يتعلق بسياسة إقليم كردستان الذي يقيم مشاريع وسدود كأنه
دولة مستقلة"، مشددة الى "ضرورة أخذ هذا التوجه الكردي على محمل الجد من قبل الحكومة المركزية والعمل على معالجته، وإلا فإن إقليم كردستان سيضاف الى العوامل التي تتحكم بباقي أقسام
العراق من ناحية المياه".
وتدعو الزيدي الى "أهمية الضغط على تركيا وايران دوليا لتنفيذ الاتفاقيات التي يجب أن لاتكون مجرد حبر على ورق، زد على ذلك استغلال الورقة الاقتصادية والتوجه للاتحاد الاوروبي الذي يطلب من تركيا تحسين علاقاتها مع الدول المتشاطئة معها".
وتقترح الزيدي، في معرض حديثها لـ
السومرية نيوز، "تحويل شبكات الري من مفتوحة الى مغلقة، واعتماد الري الممكنن".
حل عابر للقارات
بحسب الخبير في تقسيم تكاليف مشروع نهر السنغال، عبد الله ولد باه، فإن الاتفاق بين الدول التي تشترك في أحد الأنهار، أمر في متناول البد، كما حصل مع دول نهر السنغال الأربع.
ويقول ولد باه في حديث لـ
السومرية نيوز، إن "منظمة التنمية لدول حوض نهر السنغال (OMVS)، تأسست عام 1972، وكانت تضم أربعة دول وهي
غينيا وموريتانيا والسنغال ومالي"، مبينا أن "غينيا انسحبت من المنظمة، كونها
دولة المنبع، وبقيت دول ثلاثة وفي عام 2006 بدأ مسار عودة
غينيا الى المنظمة".
ويوضح ولد باه، أن "عودة
غينيا الى المنظمة وإقناعها بقسمة عادلة للمياه تم بدعم من البنك الدولي الذي لم يدعم كل المشاريع التي يمكن أن تضر بمسار النهر، حيث كان البنك يرفض تمويلها"، مؤكدا أن "الاشكالية ليست اشكالية بين دول النهر، ليست على تقاسم المياه بل تتعلق بتكاليف البنى التحتية التي تقام عليه".
يذكر أن مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي أكد في (17 حزيران 2015)، أن قضية المياه تشكل جوهراً مهماً في السياسة الخارجية العراقية مع سوريا وتركيا وإيران، مشيراً إلى أن
العراق يحاول إيجاد تفاهمات مع تلك الدول لزيادة حصصه المائية.