أبناء وأحذية: حكاية رجلٍ أنجب سبعاً وعشرين طفلاً

2019-03-08 | 04:09
أبناء وأحذية: حكاية رجلٍ أنجب سبعاً وعشرين طفلاً

نقلاً عن رصيف 22
"انتقاماً من موت طفلتي في العراق، أنجبت سبعة وعشرين طفلاً في إسبانيا وكولومبيا"، بهذه العبارة المفاجئة يفتتح الكاتب العراقي "محسن الرملي" روايته الأخيرة "أبناء وأحذية".

نقلاً عن رصيف 22
"انتقاماً من موت طفلتي في العراق، أنجبت سبعة وعشرين طفلاً في إسبانيا وكولومبيا"، بهذه العبارة المفاجئة يفتتح الكاتب العراقي "محسن الرملي" روايته الأخيرة "أبناء وأحذية".

بطل الرواية "أمير" شابٌ عراقي مولعٌ بالمسرح، لكن والده الذي يعمل شرطياً، لا يوافق على رغبة ابنه في دراسة المسرح، ما يدفع بالابن إلى الدخول في كلية الرياضة، يلتقي بعد ذلك بـ"زهراء"، والتي تشبه قصتها قصته في هذه الجزئية، إذ إنها تحب المسرح أيضاً لكن والدها يجبرها على دراسة الشريعة.

يحب الاثنان بعضهما ويزوران معهد التمثيل عدة مرات، قبل أن يتفقا على ترك كليّتيهما والانضمام إلى الطلبة الذين يدرسون التمثيل.

تنتهي قصة الحب بين الاثنين إلى الزواج، لكن الحرب ستطيح بقصة الحب هذه، إذ يستدعى "أمير" إلى الخدمة العسكرية في أثناء حمل زوجته، ولن يراها مرة أخرى إلا وهي تلد طفلة جميلة سيقرر تسميتها "أميرة الزهراء" جامعاً اسميهما معاً، غير أن الطفلة تموت بعد ساعات من ولادتها، قاسمةً بموتها عرى هذه العلاقة.

ولعل المشهد الذي يلي موتها، وحيرة الأب الحامل لطفلته يبحث عن مكان لدفنها، من أقوى المشاهد في الرواية وأشدها تأثيراً، إذ يحتار كيف يدفنها وحين يعثر على صندوق صغير مرميّ يقرر وضعها فيه، ثم يبحث عن مكان ليواريها التراب سريعاً قبل أن تنتهي إجازته القصيرة ويعود إلى ثكنته العسكرية.

"كنت أحمل جثتها الصغيرة في صندوق أحذية كارتوني، وأسير وحيداً في الأزقة الآسنة والساحات المكتظة بالساهرين والمشرّدين والكلاب السائبة، عابراً الجسر، مفكراً في القف إلى النهر معها، متوقفاً في شارع الكتب الخالي إلا من الفئران، ومحدّثاً إياها عن ذكرى خطواتي فيه مع أمها، مروراً بمقهى أبي المفضّل، وتهنئة صاحبه لي بالحذاء الجديد، وهو لا يعلم أن الذي أحمله في تلك العلبة هو جثمان طفلتي وليس حذاء... لحظتها، تمنيت لو أنه أطلق على قلبي رصاصة بدل كلمة مبروك".

الرواية التي تجري أحداثها في ثلاثة أمكنة هي العراق وإسبانيا وكولومبيا، ستتخذ منحى آخر بعد هذه الحادثة، إذ يتطلق الزوجان ويقرر "أمير" تغيير حياته فيسافر إلى إسبانيا حيث يقيم ابن خاله. وفي البلاد البعيدة "يهدي طفلاً لكل امرأة تحلم بالأمومة".

تتحوّل فصول الرواية إلى متابعة حثيثة لغراميات راويها، وفصلاً تلو الآخر نكتشف حكاية سبعة وعشرين طفلاً هم نتيجة هذه الغراميات وثمرتها، لكن ذلك لا يعني أننا سنكون في كل مرة أمام حكاية كيف تعرّف "أمير" بالمرأة التي ستصبح أماً لطفله فحسب، بل سنكون أمام حكاية المرأة نفسها أيضاً. هكذا نقرأ عن امرأتين مثليتي الجنس تريدان طفلاً، وعن زوجة تعاني من خيانة زوجها فتخونه بدورها، وعن فتاة خلاسية خرساء، وعن نساء يعشن بمفردهن وسط الطبيعة الكولومبية الساحرة، وعن فتاة مقاتلة تمشي على خطى "جيفارا" وتسعى مع رفاقها لتصحيح الحركة النضالية...

تحفل الرواية إذاً بتنوّع ثري في الشخصيات والأحداث، وتطرح في تنوّعها هذا الكثير من المواضيع الإنسانية وتثير مجدداً الأسئلة الوجودية: ما هو الخير وما هو الشر، هل نحن أحرار في خياراتنا أم مسيرون، ما أثر مواضينا في رسم مصائرنا، وما هو المشترك بيننا كبشر في العمق، على الرغم من اختلاف ثقافاتنا ومرجعياتنا.

تتداخل مع تلك الحكايات حكايات أخرى أيضاً، كقصة ابن الخال الذي يؤسس امبراطورية مالية في إسبانيا، وتتكشف الأحداث عن أنه يهرّب الذهب من كولومبيا، ويورّط مجموعة من الأشخاص من حوله في هذا الأمر، كما نقرأ قصة الرجل المصري "هاني" الذي يتعرف إليه "أمير" في كولومبيا، وتنشأ بينهما صداقة مهمة، وتكون نقاشاتهما حول السعادة والأديان ومعنى الحياة والحب رافداً يغذي نهر الرواية وهي تسير إلى مصبها.

شخصيات كثيرة وحكايات عديدة ومتشعبة تحفل بها الرواية، لكنها كلها تدور في فلك البطل الذي يجد متعته في إهداء الأطفال للحالمات بالأمومة من جهة، وفي إنشاء مشغلٍ لصنع أحذية الأطفال من جهة ثانية، هكذا تمضي حياته بين "أبناء وأحذية"...

"تمضي الحياة بنا دون توقف، ومع كل يوم يمر نشعر بأن وجودنا فيها يقترب من نهايته، ونحن ما زلنا لا نفهم معنى وجودنا فيها. لم تكن حياتي سوى أبناء وأحذية. أبناء وأحذية وكلاهما للآخرين وليس لي. هل سيكرهني كل أبنائي؟ (...) ربما أن إنجاب طفل هو تجديد لعقدنا مع الحياة، وإتاحة المزيد من الوقت بانتظار التوصل إلى إجابات معينة، وأنت جددت عقدك مع الحياة سبعاً وعشرين مرة، ولكنك كنت دائماً الطرف الذي لم يلتزم بهذه العقود".

المؤلف: محسن الرملي/ العراق، الناشر: دار المدى/ بغداد - بيروت، عدد الصفحات: 196، الطبعة الأولى: 2018.

محسن الرملي كاتب وأكاديمي ومترجم عراقي يقيم في إسبانيا. له مجموعة من الروايات أبرزها: "الفتيت المبعثر" التي فازت ترجمتها الإنكليزية بجائزة أركنساس 2002، و"تمر الأصابع" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2010، و"حدائق الرئيس" التي نالت ترجمتها الإنكليزية بجائزة القلم الدولي 2016، و"ذئبة الحب والكتب" التي وصلت القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2015.

ترجمت رواياته إلى عدة لغات، من بينها الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والكردية.
>> انضم الى السومرية على واتساب 

 
+A
-A
facebook
Twitter
Whatsapp
telegram
Messenger
telegram
Alsumaria Tv
أحدث الحلقات
بالمختزل
Play
محمد صاحب الدراجي، المستشار الفني لرئيس الوزراء - الحلقة ١٨ | رمضان 2024
18:00 | 2024-03-28
Play
محمد صاحب الدراجي، المستشار الفني لرئيس الوزراء - الحلقة ١٨ | رمضان 2024
18:00 | 2024-03-28
أغمض عينيك
Play
الحلقة ١٨ | رمضان 2024
16:00 | 2024-03-28
Play
الحلقة ١٨ | رمضان 2024
16:00 | 2024-03-28
أحمر لو أسود
Play
الحلقة ١٨ | رمضان 2024
15:00 | 2024-03-28
Play
الحلقة ١٨ | رمضان 2024
15:00 | 2024-03-28
تل الراهب
Play
الحلقة 18 | رمضان 2024
14:15 | 2024-03-28
Play
الحلقة 18 | رمضان 2024
14:15 | 2024-03-28
من كثر حبي لك
Play
الحلقة ١٨ | رمضان 2024
13:00 | 2024-03-28
Play
الحلقة ١٨ | رمضان 2024
13:00 | 2024-03-28
العراق في دقيقة
Play
العراق في دقيقة 28-03-2024 | 2024
12:30 | 2024-03-28
Play
العراق في دقيقة 28-03-2024 | 2024
12:30 | 2024-03-28
حديث رمضان 2024
Play
التآخي في رمضان - الحلقة ١٨ | رمضان 2024
12:00 | 2024-03-28
Play
التآخي في رمضان - الحلقة ١٨ | رمضان 2024
12:00 | 2024-03-28
خل نتصالح
Play
استدراج وابتزاز عبر التيكتوك - الحلقة ١٨ | رمضان 2024
11:00 | 2024-03-28
Play
استدراج وابتزاز عبر التيكتوك - الحلقة ١٨ | رمضان 2024
11:00 | 2024-03-28
جولة رمضانية
Play
شارع بغداد اسطنبول - الحلقة 13 | رمضان 2024
09:15 | 2024-03-28
Play
شارع بغداد اسطنبول - الحلقة 13 | رمضان 2024
09:15 | 2024-03-28
نشرة أخبار السومرية
Play
نشرة ٢٧ اذار ٢٠٢٤ | 2024
13:45 | 2024-03-27
Play
نشرة ٢٧ اذار ٢٠٢٤ | 2024
13:45 | 2024-03-27
الأكثر مشاهدة

رمضان 2024

خير وبركة مع العائلة

نعم حل ممتاز
نعم حل ممتاز
لن تحل المشكلة
لن تحل المشكلة
المشكلة مو بالنقل
المشكلة مو بالنقل
النتائج تعكس آراء المشاركين وليست قياساً للرأي العام.
النتائج تعكس آراء المشاركين وليست قياساً للرأي العام.

برجك للسنة الجديدة

إشترك بنشرتنا الاخبارية
انضم الى ملايين المتابعين
إشترك
حمل تطبيق السومرية
المصدر الأول لأخبار العراق
Alsumaria mobile app on Android Alsumaria mobile app on Android
Alsumaria mobile app on IOS Alsumaria mobile app on IOS
Alsumaria mobile app on huawei Alsumaria mobile app on huawei
إشترك بخدمة التلغرام
تحديثات مباشرة ويومية