وغالبا ما كانت السجون مرتعا للفكر الجهادي، وبرز اسم زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي من سجن بوكا الذي أنشأه الأميركيون بعد اجتياحهم للعراق عام 2003، في جنوب البلاد، وتمّ إغلاقه عام 2009.
ويقول المحلل في
الشؤون الإستراتيجية
فاضل أبو رغيف إن "عددا كبيرا من الذين ألقي القبض عليهم في
العراق وسوريا خلال العمليات العسكرية هم شرعيون ومنظرون ومفتون، وهؤلاء يملكون قدرة المحاججة وإيراد الأدلة وغسل الدماغ والإقناع".
وتمّ خلال العمليات -التي قامت بها القوات العراقية ضد تنظيم "داعش" وكان آخرها عام 2017- توقيف آلاف العناصر من المنضوين في التنظيم، وكذلك تحدثت تقارير عن نقل معتقلين أوقفوا في
سوريا خلال المعارك التي خاضتها قوات
سوريا الديموقراطية إلى
العراق.
وبعد شهر من انتهاء تنظيم "داعش" في
سوريا والعراق، بدا واضحا أن
بغداد وافقت -بناء على مقترح من دول غربية تسعى لمنع عودة المقاتلين الأجانب إليها- على استضافة المحاكمات، لا سيما تلك المتعلقة بآلاف المعتقلين الذين لا يزالون في قبضة أكراد
سوريا بعد دحر تنظيم الدولة من آخر جيب له في شرق البلاد.
وقال مسؤولون عراقيون إن "بغداد طلبت من دول هؤلاء المقاتلين مبلغا ماليا يصل إلى ملياري دولار لتغطية نفقات محاكمات وإيواء هؤلاء في سجونها، كونها عاجزة عن تحمّل العبء".
غير أن مساحات السجون العراقية لا تتسع للأعداد الكبيرة المتوقعة، حيث تقول الباحثة بمنظمة هيومن رايتس ووتش بلقيس ويلي ان "السجون في
العراق مكتظة بشكل كبير"، مضيفة "وثقنا أشخاصا ماتوا خلال الاعتقال، لأن السجون مزدحمة للغاية، وبالتالي فإن السجون التي يتم استخدامها ليست كافية بالتأكيد لاستقبال هذا العدد الإضافي المقدر بالآلاف".
وتؤكد مصادر أمنية وقضائية أن "عدد مساجين وزارة العدل فقط حاليا يفوق الطاقة القصوى للسجون بمرة ونصف، وأن زنزانة بمساحة عشرين مترا -يفترض أن تتسع لنحو عشرين سجينا- يقبع فيها الآن ما يقارب خمسين سجينا".
ويقول الخبير الأمني هشام الهاشمي إن "الاكتظاظ داخل السجون قد يصعب من عملية العزل بحسب الجرم مما يزيد خطر التجنيد".
ويلفت إلى أن "الزنازين تصبح بمثابة أكاديميات، إذا وُجد فيها شخص ملوث واحد بأفكار التطرف يمكن أن يجنّد الجميع"، موضحا ان "أكثر الذين يتم استقطابهم ممن لا يملكون معرفة واسعة في شؤون الدين، ويغرقون بالكلام البياني للتنظيم واللعب على وتر الطائفية".
وفي مواجهة القلق من عودة الممارسات التي أشعلت التوترات سابقاً، يشدّد أبو رغيف على ضرورة "تبويب المعتقلين، وفصل الخطرين منهم في زنازين انفرادية، وإلا أتوقع أكاديمية بوكا جديدة".
وتحوّل سجن "بوكا" الشهير إلى ما سمي "جامعة الجهاد"، حيث يقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، وكان يؤوي أكثر من عشرين ألف معتقل خصوصا من عناصر تنظيمات متشددة.
ويشير الهاشمي إلى أن "السجون في الغالب صفحة من صفحات المراحل الجهادية"، محذرا من "أن تتطوّر مرحلة العزلة الفكرية التي يعيشها المعتقلون إلى مرحلة ما يعرف بإدارة شبكات من داخل السجون والتي تشمل متابعة أسر السجناء، ونقل البريد أو حتى تصفية من يصنفهم السجين بأنهم تواطؤوا في عملية القبض عليه".
وتشير مصادر إدارية من داخل السجون إلى أن غالبية الرسائل تنقل خلال المقابلات بين السجناء وزوجاتهم أو أمهاتهم أو أخواتهم، وبالتالي فإن للنساء دورا كبيرا في هذه العملية.
ووفقا لمصادر غربية، هناك قلق كبير يتمثل في محاولات كسر السجن، أي تنفيذ هجمات تمهد لعمليات هروب، وهو ما سبق وحصل في
العراق.
فخلال سنوات التمرد والعنف الطائفي الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تمكن المئات من مقاتلي تنظيم القاعدة حينها، وبينهم أجانب، من الفرار من السجن.