"ملكة العراق"، "ابنة الصحراء" و"أم المؤمنين"، هكذا لُقبت مخترعة
دولة العراق غيرترود بيل التي أسرت قلبها الصحراء أثناء رحلتها إلى بلاد فارس عام 1892. هناك اكتشفت عشقها للشرق وبدأت في تعلم اللغة
العربية ودرس علم الآثار.
شاركت بيل في رسم الحدود العراقية عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1921. لكن ما هي قصّة هذه
المرأة القوية والشجاعة التي استطاعت أن تشارك وتغيّر في مصير الدول؟
في عمر الـ21 كانت تبحث عن عريس
كانت بيل في عمر 21 عاما تبحث عن زوج. أكملت ابنة العائلة الصناعية الثرية دراسة التاريخ في
جامعة أكسفورد بامتياز، وراحت ترقص في الحفلات في لندن للقاء الشباب الأثرياء.
عندما لم تحصل بعد ثلاث سنوات على عريس، قررت الترحال وممارسة أنشطة غير عادية. وقامت بأول رحلة بحث لها في الصحراء السورية.
سافرت آلاف الأميال على ظهور الجمال في الصحارى العربية، تقاسمت الخبز والملح مع شيوخ البدو كعلامة للصداقة، وكانت تصغي دائما الى آرائهم السياسية.
"امرأة ذكية بشكل ملحوظ لها دماغ رجل"
"على الرغم من أنها ليست سوى امرأة"، قال ذات مرة زعيم قبلي، "ولكنها قوية وشجاعة"، كان السكان المحليون يثقون بهذه الغريبة ذات العيون الخضراء، وكانت بالنسبة لهم عربية أكثر من أن تكون بريطانية.
رست في صباح الثالث من مارس/ آذار عام 1916 سفينة القوات البريطانية في ميناء البصرة في جنوب بلاد الرافدين. نزلت غيرترود بيل على الرصيف تمسك بيد تنورتها الطويلة وتحمل في اليد الأخرى قبعة.
بعد فترة عمل قصيرة في مكتب المخابرات في القاهرة، انتدب نائب الملك في المستعمرات البريطانية الممتدة من الهند إلى البصرة "امرأة ذكية بشكل ملحوظ لها دماغ رجل".
على الفور بدأت بالعمل، ترسم الخرائط التي ستدل الجيش الزاحف على بغداد، وتضع ملفات شخصية للقبائل البدوية وتحاول الإيقاع بينهم وبين زعمائهم من أجل إقناعهم بالتحالف مع إنكلترا.
بيل سعيدة بتتويج ربيبها فيصل الأول كملك على العراق
ابتسمت الضابطة عندما أضاءت في هذا اليوم من عام 1921 إحدى وعشرون طلقة تحيةً في سماء بغداد. "يحيا الملك!"، صاح خطيب الاحتفال . وصفق عرب ويهود ومسيحيون في باحة القصر، وعندما لمح الحاكم الجديد الضابطة في الصف الأمامي، أدت له التحية العسكرية بهدوء.
كانت غيرترود بيل سعيدة، لأن تتويج ربيبها فيصل الأول كملك على
العراق هو أيضا تتويج لمشروع حياتها. "ولكن يمكنك أن تعتمد على شيء واحد"، كتبت قبل ذلك إلى والدها، "لن أحاول بعد هذا صنع ملوك، إنه أمر متعب للغاية".
كان حدثا تاريخيا في تلك السنوات بعد الحرب العالمية الأولى، بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، فقد تم إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد. قسمت إنكلترا وفرنسا المنتصرتان وفقا لاتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ممتلكات الإمبراطورية العثمانية المفلسة فيما بينهما وخلقتا من أقاليمها دولا جديدة.
وهكذا توحدت الولايات العثمانية، بغداد والبصرة والموصل، لتشكل هيكلا متماسكا، هيكل أصبح، اسمه ابتداء من عام 1921 المملكة العراقية، التي قامت بتأسيسها غيرترود بيل، فحددت الجزء الأكبر من حدودها واختارت حاكمها.
غيرترود بيل أول ضابط مخابرات نسوي في الجيش البريطاني
وتمكّنت غيرترود بيل أن تحدّد الجزء الكبير من حدود العراق، بعد أن صعد نجمها حين اصبحت أول ضابط مخابرات نسوي في الجيش البريطاني (الرائد ميس بيل). وقد استفيد من خبرتها ومعرفتها عن المنطقة وكذلك مكانتها الحميمية عند شيوخ الصحراء
العرب.
وابتداء من عام 1917 أصبحت سكرتيرة للشؤون الشرقية، حيث ساهمت في وضع الإطار السياسي للدولة العراقية المقبلة. بالإضافة إلى خبراتها، كان لديها بصيرة سياسية أثارت ضجة في لندن، حيث يرى الآخرون التفاصيل فقط، كانت هي ترى غالبا الكل الكبير.
بيل توفيت حيث كانت تتمنى: في الأرض العراقية
انعزلت بيل، وأصبحت كئيبة. كان استئناف عملها كعالمة آثار بديلا عن السلطة سابقا. وفي مساء الحادي عشر من يوليو/ تموز عام 1926، طلبت بيل من الخادمة أن توقظها الساعة السادسة في صباح اليوم التالي.
ذهبت بيل إلى الفراش ولم تستيقظ بتاتاً. على المنضدة جانب السرير زجاجة صغيرة لحبوب النوم، لقد تناولت منها جرعة إضافية. هل كان ذلك عمدا؟ هذا لم يتم توضيحه إطلاقاً. قبل يومين من عيد ميلادها الـ 58 غفت إلى الأبد، وهي ترقد إلى يومنا هذا حيث كانت تتمنى: في الأرض العراقية. في البلاد التي خططت لها مشاريع كبيرة.