السومرية نيوز/بغداد
بالرغم من أن الصناعة العراقية كانت تشكل 14% من حجم الدخل القومي، وتعد من الأفضل بالمقارنة مع دول الجوار، إلا أنها شهدت انتكاسة كبيرة بعد العام 2003 جراء عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها المصانع والمعامل، إلى جانب إغراق
السوق المحلية بالاستيراد والإهمال الحكومي.
ومنذ العام 2003 ولغاية الآن دخلت
العراق بضائع من شتى دول العالم، وبمواصفات رديئة بحسب ما يجزم المختصون والمعنيون بالقطاع الصناعي الذين أكدوا أن بعض
الدول باتت تصدر للأسواق المحلية سلع وبضائع مغشوشة تؤثر على البيئة والصحة.
90% من المصانع أغلقت أبواها
فتح الحدود والاستيراد العشوائي وبدون ضوابط، أدى إلى تدمير الصناعة العراقية، وسمح بدخول بضائع رديئة الصنع وذات كلف منخفضة أزاحت البضائع المحلية من الواجهة، وتسببت بتوقف أغلب المصانع العراقية.
ويؤكد نائب رئيس اتحاد الصناعات العراقية علي صبيح في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "90% من المشاريع الصناعية في
العراق البالغة 350 ألف مشروع صناعي مسجل لدى الاتحاد، توقف عن العمل".
ويلفت صبيح إلى أن "دول الجوار ترسم سياسة اقتصادية لإنعاش اقتصادها على حساب العراق، وذلك من خلال دعم صناعتها الوطنية وقيام البعض بإنشاء صناعات مغشوشة وإرسالها إلينا".
ويضيف "ما خصص لدعم المشاريع الصناعية في موازنة العام الحالي يبلغ 150 مليار دينار كقروض، لكنه مبلغ غير كاف ولا يستطيع أن ينهض بالمشاريع المعطلة التي مضى على توقفها أكثر من عشر سنوات"، منوهاً إلى أن هذا المبلغ "لم يصرف لغاية الآن رغم انتهاء النصف الأول من العام الحالي".
مليارا دولار سنوياً لإنعاش الصناعة المحلية
وبشأن التخصيصات المالية لدعم القطاع الصناعي، يرى عضو اتحاد الصناعات العراقية جواد الشمري أن أهم أسباب تدهور الصناعة العراقية المحلية هو الاعتماد على الأيدي العاملة وعدم استخدام تكنولوجيا الإنتاج.
ويبين في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "99% من المشاريع التي يتم دعمها عبر القروض هي مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم"، مشيراً إلى أن "هذه المشاريع تعتمد بنسبة كبيرة على الإيدي العاملة في إنتاجها، على العكس من الصناعات في
الدول المتقدمة التي يتجاوز رأسمال المشروع الواحد 100 مليون دولار وتعتمد في إنتاجها على التكنولوجيا المتقدمة".
ويضيف الشمري "المشاريع الصناعية المحلية بحاجة إلى ملياري دولار سنوياً ولمدة عشر سنوات للنهوض بها من جديد، إضافة إلى تأمين مساحة
سوق كافية للبضائع والسلع العراقية"، مؤكدا أن "تنشيط وتفعيل المشاريع الصناعية سوف يقلل من نسبة البطالة في العراق، من خلال تشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة".
مستقبل ضبابي وسوء تخطيط
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي معتز عبد الحكيم في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "مسؤولية الحكومة لن تنتهي عند دعم القطاع الخاص في مرحلة معينة، حتى وإن كان هناك تحولا في برامجها نحو اقتصاد السوق".
ويضرب مثلاً على دور الدولة في القطاع الخاص، قائلاً "المصرف الفيدرالي الأميركي تدخل في وقت سابق لمنع انهيار 40 مصرفا للقطاع الخاص بالرغم من أن الولايات المتحدة دولة رأسمالية".
ويشير عبد الحكيم إلى أن "العراق وبالرغم من تحوله نحو اقتصاد السوق، لكن ليس لديه نظرية أو إستراتيجية واضحة يعمل عليها"، مضيفاً "كما أن الصناعة المحلية غير قادرة على النهوض بإنتاجها لعدم تفعيل بعض القوانين التي شرعت لحماية المنتج الوطني وبالتالي فأن الاستيراد مباح للجميع ومن مختلف المناشى وبدون ضوابط".
وكان مجلس النواب أقر في شهر كانون الثاني 2010، قانون حماية المنتج الوطني والذي اعتبره الاقتصاديون نقلة نوعية للاقتصاد
العراقي والمنتج المحلي، كونه يؤمن الحماية للمنتوج الوطني من التهميش وهيمنة السلع المستوردة، إلا أن القانون ما زال غير مفعل لغاية اليوم.
1.5% حجم الإنتاج الصناعي
الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، يرى في حديث لـ"السومرية نيوز" أن مسؤولية تدهور الإنتاج الصناعي الحكومي والخاص "تتحمله الجزء الأكبر منه الدولة، والقطاع الخاص بشكل ثانوي".
ويوضح "حجم الانتاج الصناعي للدولة كان يشكل 80% من الإنتاج المحلي، فيما يشكل القطاع الصناعي الخاص 20%"، مبينا أن "الإنتاج الصناعي الحكومي والخاص تدهور بشكل كبير بعد عام 2003 ووصل به الحال إلى استيراد مشتقات الألبان والمياه المعدنية من الخارج".
ويؤكد انطوان أن "القطاع الصناعي لا يشكل الآن من الدخل القومي أكثر من 1.5% بعد أن كان يشكل 14% من حجم الدخل القومي"، مطالباً الدولة بأن "تضع إستراتيجية صناعية جديدة تنفذها وزارة الصناعة والمعادن بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي للنهوض بالقطاع الصناعي سواء كان حكومياً أو خاصاً".
الضريبة والاستيراد عطلا المعامل
أصبحت الصناعة المحلية بسبب غزو البضائع الأجنبية في مهب الريح، وبالرغم من رداءة الأخيرة إلا أن تدني أسعارها كان حاسماً في تدمير الصناعة العراقية.
ويصف سعدي محمد جاسم، صاحب إحدى شركات تصنيع الأدوات الاحتياطية للأجهزة الكهربائية، الصناعة العراقية بأنها بـ"حكم الميت بسبب إغراق
السوق بالاستيراد العشوائي والمغشوش"، مضيفاً "لا أحد يستمع لشكوانا ومطالبنا".
ويشير في حديث لـ"السومرية نيوز"، إلى أن "معظم الأيدي العاملة في الشركة تم تسريحهم بسبب الخسارة التي لحقت بنا، ومن يعملون لدينا الآن لا يتجاوز عددهم السبعة أشخاص بعد أن كان المعمل يشغل أكثر من 70 عاملاً".
ويؤكد جاسم أن "ارتفاع الضرائب وانعدام البنى التحتية كالكهرباء والماء أسباباً أخرى في توقف وخسارة شركاتنا".