السومرية
نيوز/
بغداد
"أنا
مراهقة، كانت أحلامي تسرح بكثير من الآمال، أأكبر من حجم
الغرفة التي كنت أعيش
فيها مع أخواتي الثلاث، في ظل أبٍ قاسٍ وظالم، قبل أن أرغم على الزواج من شيخ
مسن"، هكذا تعلق نرجس، الفتاة القاصر ذات الـ 14 ربيعاً، التي أرغمت على
تزويجها عنوة من سمسار سيارات يكبرها بنحو 55 عاما!
في
ظل غياب
قوانين رادعة، وانعدام إجراءات حكومية، شاع تزويج القاصرات، ولاسيما في
المناطق التي تغلب عليها مسحة "العشائرية" و"الفقر"، ما زاد
من نسبة الزواج خارج إطار القانون، والذي يمنع عقد
القران دون سن 18 عاماً، في
مقابل زيادة نسبة العنوسة.
وتصف
نرجس الفتاة القاصر من
الناصرية في حديث لـ"
السومرية نيوز" حالة الرعب
التي عاشتها بعد زفافها على زوجها المسن بـ "الاكراه".
نرجس
كانت ضحية "متاجرة" أو "تخليص ديّن"، وفوجئت أن لا حقوق
طبيعية لها كزوجة، وتلفت إلى أنها "اكتشفت بعد 10 أيام من الزواج ان
غرفة
النوم كانت مستأجرة، وانها اعيدت الى اصحابها بعد ذلك". وتقول "أشعر
أنني مختطفة".
والد
نرجس، محافظٌ ويرفض اختلاط بناته الاربع وكبراهن نرجس، ومنعهن من إكمال دراستهن أو
زيارة الجيران، وتصفه نرجس بأنه "أبٌ قاسٍ وذو مزاج حاد، حتى أمي فشلت في
تغيير سطوته وجبروته".
وتكشف
عن ان "زواجي كان صفقة بينه وبين سمسار سيارات، بعد أن خسر والدي كل ما لديه
في هذه التجارة، حتى بيتنا المتواضع، لتسديد ما بذمته لشركائه، فأصبحنا أنا
وأخواتي صيدا سهلا لدائنيه ومساوماتهم".
وبألم
بالغ، توضح نرجس "تحولت من فتاة بريئة الى مجرد جسد في احضان رجل كريه، بقوة
العرف، خرجت من جحيم الأب الى جحيم أكثر قسوة".
وتشير
التقديرات الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية إلى أن عدد الفتيات ضمن
الفئة العمرية من (10 - 14) بلغ 1.9 مليون فتاة، أي ما يساوي 6% من اجمالي نفوس
البلاد والتي تبلغ 33 مليون نسمة حسب احصائية الوزارة والتي نشرتها في (14 ايار
2012).
العرف
أقوى من الحياة
ويجد
الناشط المدني أحمد مزهر في حديثه لـ "
السومرية نيوز" أن "زواج
القاصرات يتم بمباركة العرف العشائري والتقاليد الاجتماعية"، مشددا على أن
"الوصايا الدينية تؤكد على الزواج المبكر ما تمنح السلوك العشائري قوة في
إرغام الفتيات الصغيرات على الزواج في سن مبكرة للحفاظ على شرف العائلة".
وينبّه
مزهر الى أن "الوقائع اثبتت فشل تلك الزيجات بشكل كبير، فمعظم الفتيات غير
مؤهلات من الناحية الفسلجية او النفسية، وسرعان ما يكتشفن أن الزواج تحول إلى
مسؤولية ثقيلة".
وينوه
إلى أن "الفتيات الصغيرات يتعاملن مع طلبات الزوج كنوع من العبودية، عندها
يبدأن بالتمرد، والذي يتطور فيما بعد إلى مشكلات معقدة تنتهي غالبا بالطلاق".
ويستدرك
بالقول إن "عدم وجود عقلية ناضجة لاستيعاب الزوج من قبل الزوجات صغيرات السن،
سبب رئيس في فشل الزواج، لان تلك الزيجات غير مبنية على الانسجام".
العنف
الجنسي
كريم
الفارس، مدرب تعافي نفسي واجتماعي وخبير برامج نفسية، يشترط في تزويج القاصرات أن
"تكون الفتيات مهيئات نفسيا وسلوكيا واجتماعيا لفهم طبيعة الحياة
الزوجية"، ويضيف أن "مجتمعاتنا تشجع على الزواج المبكر، لكن يجب ان تتم
الزيجات على اساس من التوافق النفسي والاجتماعي والثقافي، اي بلوغ الزوجة مرحلة
النضج الجسمي والنفسي والعقلي".
ويرى
الفارس في حديث لـ"
السومرية نيوز" أن "القاصرات لسن بناضجات
جنسياً، وأجهزتهن العضوية غير قادرة على تحمل العلاقة الجنسية، كما عند النساء
الناضجات".
ويبين
أن "العلاقة الجنسية تؤدي الى مضاعفات غير محسوبة لدى القاصرات، من بينها
مشاكل أثناء الحمل والولادة، قد تصل الى الموت، وتلك المشكلات تؤدي الى الطلاق
وازدياده".
ويوضح
أن "طلاق القاصرات بات ظاهرة، فهناك الكثير من حالات الطلاق تحصل يوميا،
وبحكم عملي أطلع على كثير منها"، مبينا ان "القاصر غير قادرة على القيام
بواجباتها الزوجية، نظرا لصغر سنها، فهي مازالت طفلة تحتاج الى من يعتني بها وليس
العكس".
وبحسب
بيانات المسح الوطني للفتوة والشباب في العراق للعام 2009، والصادرة من وزارة
الشباب والرياضة والمركز الوطني للاحصاء وتكنلوجيا المعلومات في وزارة التخطيط،
فإن نسبة الاناث اللاتي يعرفن علامات البلوغ الجنسي للفئة العمرية بين (12 الى 14)
سنة تبلغ 79.6%، فيما تبلغ نسبة الفتيات من الفئة ذاتها ممن يعرفن الصحة الانجابية
نحو 29%، أما من يعرفن وسائل تنظيم الاسرة فبلغ نسبتهن 46%.
رئيس
جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية حقي كريم، يقول في حديث لـ"
السومرية
نيوز" إن "نسبة وفيات النساء اثناء الولادة في العراق باتت كبيرة، لجهة
ارتفاع نسبة القاصرات، ولاسيما الولادة على ايدي قابلات شعبيات غير مأذونات في
المنازل".
ويضيف
أن "معدل وفاة الامهات في الفئة العمرية 15 عاما مرتفع، لجهة أن اعتلال الأم
أثناء الحمل يؤثر على الجنين، ما يعرض الطفل المولود إلى الإصابة بالمرض، أو
الإعاقة، أو الوفاة".
وكانت
وزارة المرأة، حذرت في العام 2010، من تصاعد الخطوط البيانيَّة في نسب الزواج
المبكر، مبينة ان "النساء بين أعمار 15 إلى 18 سنة هن أكثر عرضة للوفاة أثناء
الحمل أو الولادة بمرتين بالقياس إلى النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24
سنة".
العوز
المادي
من
جانبها، أرجعت الناشطة الحقوقية نورة جاسم، تنامي زواج القاصرات إلى "الفقر
والعوز المادي"، مشيرة الى ان "الكثير من العائلات تلجأ الى تزوج
القاصرات مقابل اغراءات مادية يقدمها رجال اثرياء او متمكنين دون مراعاة لفارق
السن".
وتؤكد
جاسم في حديثها لـ"
السومرية نيوز" أن "اغلب تلك الزيجات تحدث في
المناطق الفقيرة والريفية، او الاحياء الشعبية، نتيجة سيطرة العشائرية وارتفاع
نسبة تسرب الفتيات من المدارس".
ولفتت
الى شيوع زواج الـ"كـَصة بكـَصة"، اي تزويج "فتاة مقابل فتاة"
بمعنى عملية تبادل العروس والعريس بين عائلتين، فضلا عن زيجات أخرى كـ"زواج
الفصّلية" عوضا عن "زواج الاقارب".
ويظهر
المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق لوزارة التخطيط للعام 2007، أن
21% من الفتيات تزوجّن قبل بلوغهن سن الـ19سنة، مقارنة بـ15% ما بين الاعوام
1997 و2004، فيما يظهر الجهاز المركزي للإحصاء عام 2011 أن 5 % من الفتيات
العراقيات تزوَّجن بعمر دون 15 سنة، ونحو 22% دون 18 سنة.